تمر اليوم خمسون يوما على اعلان رئيس الجمهورية عن الاجراءات الاستثنائية في 25 جويلية والتي لقيت تجاوبا في الأوساط الشعبية والسياسية وداخل المجتمع المدني كحل لتجاوز الأزمة الخانقة التي وصلت اليها البلاد بعد أشهر طويلة ومثقلة من المناكفات والصراعات المدمرة التي كادت تعصف بالدولة التونسية وبقدراتها وبمكاسبها ..
وحري بنا اليوم أن نسجل أن تلك الاجراءات الهامة وان ساهمت الى حد كبير في عملية التصدي للجائحة الوبائية وأعادت الأمل لدى قسم واسع من التونسيين والتونسيات في امكانية تجاوز مظاهر الانهيار الشامل التي كادت تهدد كيان دولتهم، فإننا ، ومن باب المسؤولية الوطنية، نرى من الضروري التنبيه الى أن المساعي الهادفة الى محاصرة آفة الفساد الاقتصادي و السياسي والتضييق على شبكات الاحتكار والتهريب والمضاربة والارتفاع المتواصل للأسعار اتسمت –رغم حسن النوايا- بشيء من الارتجال وافتقرت الى خطة مدروسة لمعالجة الأسباب الهيكلية لمثل هاته الظواهر المدمرة لقدرات بلادنا، وهو ما أفقدها النجاعة المرجوة اضافة الى أن العديد من المبادرات المحمودة تزامن تطبيقها مع تجاوزات وانتهاكات للحقوق والحريات و اتخذت اجراءات زجرية بدون سند قانوني واضح وهو ما خلق شكوكا في مدى فاعلية القرارات المتخذة و شعورا بالخوف وعدم الاطمئنان لدى فئات عديدة من المواطنين .
وقد حصل بذلك الاقتناع أن جسامة المهام المستعجلة المطروحة لا يمكن أن يقوم بها مسؤول بمفرده مهما ارتفعت مكانته في هرم السلطة ومهما صدقت نواياه وصح عزمه على ارادة الإصلاح، بل إن الأمر يتطلب خطة متكاملة وإستراتيجية واضحة تشارك في وضع معالمها وتحديد محطاتها أوسع الأطراف الاجتماعية والسياسية حتى تتحمس لتنفيذها وإنجاحها و تسعى إلى تحقيق أهدافها .
وفي هذا المجال نرى أن انعاش الاقتصاد الوطني ودفع العملية التنموية في مختلف المجالات وترشيد الحوكمة يتطلب الاسراع بتعيين رئيس حكومة يجمع حوله فريقا من الكفاءات تكون على دراية بمجال نشاطها وتعمل في انسجام وتكامل مع رئيس الجمهورية من أجل انجاز الأهداف ذات الأولوية المطلقة ضمن برنامج للإنقاذ يشارك في صياغته أفضل الكفاءات والخبراء الى جانب ممثلي المنظمات الوطنية ومكونات المجتمع المدني والأحزاب التي أعلنت انخراطها في حركة الاصلاح والتغيير لوضع حدا لحالة الانهيار والشلل الذي تسببت فيه السياسيات السابقة .
أما في الجانب السياسي فإننا نرى أن الارتباك الخطير الذي اعترى في السنوات الأخيرة سير مؤسسات الدولة- بدءا برئاسة الحكومة ومجلس نواب الشعب والتنافر المسجل بين رأسي السلطة التنفيذية -يشير بدون شك الى وجود خلل في بعض الفصول الدستورية والمنظومة التشريعية وعدم تلاؤمها مع واقع الحياة السياسية في بلادنا .
وهي أمور وان كنا نرى ضرورة العمل على تجاوزها وتعديل بعض الفصول الدستورية والقانونية، فإننا لا نرى موجبا لتعليق العمل بدستور 2014 الذي تضمن فصولا تجسد قيم ومبادئ أساسية نادت بها ثورة الكرامة والحرية، كما أن الحفاظ على الدستور من شأنه أن يبقى عملية الاصلاح في اطار الشرعية الدستورية ومنطق الدولة التي أكد رئيس الجمهورية تمسكه بها في كل تصريحاته وفي كل ما اتخذه من إجراءات.
إننا، إذ نضم صوتنا الى أصوات كل القوى المنخرطة في انجاح المرحلة الجديدة التي دخلت فيها بلادنا منذ 25 جويلية الماضي والرافضة لتعليق الدستور، فإننا وفي نفس الوقت نعلن تبايننا الواضح مع الدعوات التي تغتنم كل صعوبة أو تردد لمحاولة الرجوع بنا الى وضع ما قبل 25 جويلية .
إننا نجدد انخراطنا الكامل في المرحلة الجديدة التي دخلتها بلادنا و ندعو جميع القوى الديمقراطية، الاجتماعية منها والسياسية والمدنية الحريصة على إنجاح عملية الإصلاح الى التشاور والتنسيق بيننا من أجل أن تكون هذه المرحلة محطة مضيئة في مسار انتقال بلادنا الى صفوف الدول الديمقراطية والعصرية.
تونس 14 سبتمبر 2021
مساريون … لتصحيح المسار