full screen background image
   السبت 23 نوفمبر 2024
ر

العصبية القبلية مفتاح احتلال فرنسا لتونس

لضمان تموقعها في البحر المتوسط لم يكن أمام فرنسا سوى التوسع من احتلال الجزائر الى فرض سيطرتها على الأراضي التونسية نظرا لموقعها الاستراتيجي وثرائها الزراعي والمعدني.

وما كان لفرنسا تحقيق ذلك إلا بعد الحصول على تأييد دولي وإيجاد مبرر قوي لشن هجمتها المحكمة على تونس في 12 ماي 1881. اخذت فرنسا التدخل في شؤون تونس الداخلية بشكل غير مسبوق كما جهزت قوات كبيرة وهاجمتها تحت ذريعة أن بعض القبائل التونسية شنت هجمات على حدود الجزائر.

إن العودة للتدقيق في خطة الإحتلال الفرنسي لتونس تستدعي العودة للخريطة القبلية التونسية إبّان حكم البايات، لأن المواجهة حينها لم تكن بين المستعمر الفرنسي وسلطة محمد الصادق باي وإنما كانت بين القوات الفرنسية على الحدود الجزائرية وقبائل جبال خمير التي أخذتها الحميّة والعصبيّة لمساعدة ودعم نظيراتها في الجزائر.

لقد سعت القوات الإستعمارية العظمى لدراسة البلدان قبل اكتساحها والتمهيد لغزوها واستعمارها بخطط مدروسة تتماشى وطبيعة المواجهة والمقاومة المتوقعة.

كانت فرنسا قد اكتسبت خبرة هامة على الأراضي الجزائرية انتهت بها الى تقديم المال والسلطة لاستقطاب بعض القبائل الجزائرية وهو ما جعلها تقرأ ألف حساب قبل مواجهة القبائل التونسية التي وعت بقوتها وصعوبة ترويضها. ولم يكن تشويه القبائل واختلاق الصراعات بينها مجرد أسلوب لفرض السلطة الإستعمارية، بل كان الخطة الحاسمة والمبرّر المباشر الذي تحجّجت به فرنسا للحصول على التأييد الدولي لاكتساح تونس وضمّها للجزائر المستعمرة منذ 05 جويلية 1830.

إذ كيف لفرنسا أن تخفي سعيها للسيطرة على طرق المواصلات في البحر المتوسط، علما وأن تونس أكثر المواقع استراتيجية في حوضه الغربي.

وحتى تضمن التأييد الدولي فقد قدمت فرنسا تنازلات غير مسبوقة لباقي القوى الإستعمارية حتى تنال التأييد لهذا الغزو.

إذ اعترفت بالسيطرة البريطانية على قبرص وسيطرة النمسا على البوسنة والهرسك والتوسع الروسي في البلقان…

لكن قبل أن تنطلق الحملة العسكرية على تونس انطلقت حملة الصحف الفرنسية بشكل ملحوظ في تشويه القبائل التونسية بالحدود الشمالية الغربية المتاخمة للجزائر.

كما توسلت فرنسا حجة خطورة هذه القبائل من حيث دعمها لقبائل شمال شرق الجزائر مما يهدد فرض الإستعمار هناك. فتتالت الأحداث كالأتي:

كانت بداية المواجهة مع قبائل غار دماء إذ رفعت قبيلتا وشتاته والمراسن المتحالفتان السلاح ضد القوات الفرنسية بالجزائر كما كتب المؤرخ والباحث الفرنسي ايميل فيولارل.

القبيلتان قاومتا الجيش الفرنسي والقبائل الجزائرية المتحالفة معه قبل أن تقوم فرنسا باحتلال تونس بعدّة سنوات. ففي سنة 1874 قامت قبيلة المراسن بمهاجمة قبيلة أولاد ناصر الجزائرية في حين هاجمت وشتاتة قبيلة أولاد ضياء بسوق أهراس وقد تتالت واستمرت هذه الهجمات حتى سنة 1879.

إذ قامت وشتاتة والمراسن باجتياز الحدوود الجزائرية و مهاجمة منطقة القاله أين تم تبادل إطلاق النار مع الجيش الفرنسي وتمكنوا حينها من قتل جنرال فرنسي وهو ما كانت تبحث عنه فرنسا لتنفيذ خطتها الإستعمارية دون مقاومة داخلية من سلطة الباي أو القوى العظمى خارجيا.

ذلك أن فرنسا قامت عدة مرات بتحذير محمد الصادق باي وهددت بسعيها لتوبيخ هذه القبائل إذا لم يتم كبحها.

وفي الوقت الذي طلب فيه القائم العام الفرنسي تقريرا حول شمال تونس والقبائل المتواجدة فيه، بدأت الصحافة الفرنسية حملة إعلامية لتشويه صورة هذه القبائل حتى لا يكون لها أيّة شرعية في مقاومة العدوان الفرنسي واعتبارهم مجموعة من قطاع الطرق.

المثير للجدل هو أن الحكومة التونسية كانت بين المطرقة والسندان إذ كانت تساند قبيلة وشتاته والمراسن من جهة وتساند من جهة أخرى الإحتلال الفرنسي، ولم تتمكن من الإعلان عن موقف حاسم ضد العدوان بل وقفت في الأخير ضد مواطنيها.

وبالرغم من كل هذا لم تكن هذه القبائل مبالية وواصلت مقاومتها للعدو، وفي شهر فيفري عام 1881 قامت وشتاته بإحراق الجبال الجزائرية ثم توجهت إل منجم الرخام المتواجد بالمنطقة الأثرية في شمتو وتمكنت حينها من طرد العمال الفرنسيين من التراب التونسي.

وقد قامت الشركة الأجنبية بإغلاق المنجم وإخلاء سبيل العمال الأجانب وفي شهر أفريل عام 1881 قامت الحملة العسكرية الفرنسي بجيش قوامه 30 ألف جندي ذي خبرة وعتاد حربي حديث، مقابل ذلك لم تكن البلاد التونسية مجهزة أو راغبة في خوض هذا الصراع الذي تحملت وزره القبائل المناضلة ومع الأسف لاتزال إلى اليوم الجهات الرسمية التونسية تطلق على عام 1881 تاريخ انتصاب الحماية عوض تاريخ الاستعمار ولا يزال الطلبة النبهاء يتساءلون بحيرة عن استقلال سبقته حماية.

ان التأكيد على تسمية الحماية هو اعتراف صريح بأحقية فرنسا بتونس واعتراف ظالم بأن القبائل المناضلة لم تكن سوى قطيع لصوص أقلق الجيش الفرنسي الوديع.

وهو مع الأسف نفس الموقف الذي انتهى اليه محمد الصادق باي الذي اعتبر حينها أن معاقبة قبائل جبال خميرالمتاخمة للحدود الجزائرية هو الهدف الرئيسي للحملة التأديبية لما اعتبره شرذمة شاذة متسببة في الغزو.

محمد عاشور