بقلم : لمياء الفالح
تبدو مهمة البحث عن عمل درامي يندرج ضمن بيئة المسلسلات الشامية ويغاير الصورة النمطية المتداولة للمرأة بالأمر غير اليسير. من ضمن قائمة مطولة ومكرّرة أطل مسلسل “حرائر” الذي عرض قبل سنوات ليقطع نهائيا مع النسخ المكررة التي رسخت في أذهان المشاهدين نظرة دونيّة لمكانة المرأة في مجتمعها أولا ودورها التقليدي داخل الأسرة ثانيا.
نجح مضمون هذا العمل الدرامي الذي يندرج ضمن فئة المسلسلات الشامية في كسر صورة المرأة النمطية المتواجدة في بقية الأعمال على غرار باب الحارة، بيت جدي، ليالي الصالحية، الخوالي، خاتون وغيرهم من مسلسلات نالت شهرة واسعة في العالم العربي. وهي صورة غالبا ما تجعل من المرأة كائنا تابعا للرجل لا يلعب أي دور وإن كان هامشيا في الحياة الاجتماعية والسياسية والثقافية. لتتقلص مكانتها داخل جدران المنزل وتكتفي بممارسة القيل والقال المؤدية إلى فتنٍ أسرية وأزمات لا تنتهي بين الأفراد. يرافقها في ذلك الفعل عدد من الجارات والأقارب مع تركيز كبير على تدهور علاقة الكنة بالحماة وبشقيقات زوجها.
على عكس الفكرة السائدة التي راجت كثيرا داخل هذه البيئة وألهمت المخرجين والمؤلفين لإنتاج أعمال نُسجت عل نفس المنوال بنسخ مكررة ومجترّة رغم التعديلات الطفيفة للمحتوى، أطل علينا مسلسل حرائر بإسمين لإمرأتين عاصرتا الاحتلال العثماني ومن بعده الفرنسي لكنهما رغم الحقبة التاريخية الحساسة تركتا أثرا وإنجازات تفخر بها كل امرأة سورية. ماري عجمي رائدة الصحافة السورية وصديقتها نازك العابد جان دارك سوريا وأول عسكرية في الجيش.
صحيح أن المسلسل قد أعطى المساحة الأكبر في الظهور ودور البطولة لشخصية ثالثة هي شخصية “بسيمة” التي جسدتها الممثلة سلاف فواخرجي. لكن هذه المرأة المستضعفة التي يتوفى زوجها فتسعى للاستقلال المادي والهروب من هيمنة شقيق زوجها بعد أن استولى على أملاكهم وحاول اجبارها على الزواج منه. وُضعت لغايات درامية واجتماعية وفكرية لعل أهمها إعادة نقل نفس الصورة المعتادة للمرأة بالبيئة الشامية والمترسخة في ذهنية المشاهد، ثم محاولة التّنصّل منها تدريجيا بتصحيح مسارها.
لذلك وضع المخرج في طريقها نموذجا ناجحا لامرأتين ثائرتين استطاعتا فرض وجودهما داخل مجتمع لطالما كان يضخم صورة الرجل على حساب صورة المرأة.
أنفقت ماري عجمي من مالها الخاص لتطلق أول مجلة نسائية تحمل اسم “العروس” وتضم نخبة أبرز المفكرين والكتاب في سوريا والعالم العربي. على وجه الخصوص الأقلام النسائية اللاتي كن يوقعن مقالاتهن بأسماء مستعارة كي لا يثرن حفيظة المجتمع.
كانت العروس مجلة أدبية تربوية تحولت سريعا إلى منارة التحرر في سوريا. كما قامت نازك العابد بتأسيس عدد من المطبوعات والجمعيات النسائية وشاركت في معركة ميلسون ضد الاحتلال الفرنسي بصفتها رئيسة جمعية النجمة الحمراء التي نشأت قبل منظمة الهلال الأحمر السوري. كما أسست بعد انتقالها لبيروت عصبة المرأة العاملة وجمعية اخوان الثقافة وجمعية تأمين اللاجىء الفلسطيني.
كان من الطبيعي جدا أن لقاء مثل هاتين المرأتين ستعززان ثقة بطلة العمل في نفسها وتطوّران من شخصيتها وتساهما بشكل ملحوظ في تغيير منظورها لنفسها ولمحيطها. فاستطاعت بعد صراع طويل وأخذ وردّ أن تفرض وجودها وتحقق استقلالها الذاتي والاقتصادي وتعتني بعائلتها الصغيرة دون الحاجة إلى مُعيل يفرض عليها شروطه الخاصة مقابل تقديم المساعدة.