full screen background image
   السبت 23 نوفمبر 2024
ر

صورة الرّجل ومعانيها في رواتَي “دوريان غراي” و”أحدب نوتردام”

بقلم: لمياء الفالح
يحتاج فنّ كتابة الرّواية نفسا طويلا وصورا تخيّليّة يكون الواقع الاجتماعيّ والظّرف الإنساني الذي يعايِنه الكاتب في عصره ومحيطه أحد أهمّ الرّكائز التي تدفعه لخلق شخصيّاته، لتغدو بذلك ثنائيّة الزّمكان ذات تأثير فعّال في مخاض الكتابة الإبداعية واستلهام صفات الأبطال الخِلقيّة والخُلُقيّة.
روايتَي “صورة دوريان غراي” و “أحدب نوتردام” نموذجا: لئن كتبت الرّوايتان في زمنين منفصلين وبلدين مختلفين فإنّ المغزى منهما يبدو متشابها ومتقاربا لحدّ بعيد. ومَفادُه أن لا نطلق على النّاس الذين لا نعرفهم أحكاما مُسبقة مبنيّة بالأساس على مظهرهم الخارجيّ. لأنّ ما نراه ظاهريّا بالأعين المجرّدة ليس كافيا وقد يدفع بنا في أسوء الحالات إلى مغالطة نحن في غنى عنها، ومعناهُ أن لدواخل الشّخصّية وأفعالها ودوافعها والفكر الذي تتبنّاه دورٌ مهمّ في الحكاية.
استطاع الكاتب الانجليزي أوسكار وايلد من خلال أيقونته “صورة دوريان غراي” تسليط الضّوء على النّفاق الاجتماعيّ والفساد الذي ينخُر الطّبقة الرّاقية للمجتمع في العصر الفكتوري. وذلك من خلال سِمات الشّخصية البطلة وهي سِماتٌ تحمل الشيء ونقيضة بذات الوقت. يبدو المظهر الخُلُقيّ للشّاب الأرستقراطي “دوريان” أخّاذا وذو ملامح ملائكيّة مبهرة للعيان، خاصّة بالنّسبة للمعجبات بجمال وجهه وثرائه الفاحش.
حيث رأت فيه كل امرأة التقاها صورة فارس أحلامها دون أن تدرك أيٌا منهنّ أنّ هذا الوجه الجذّاب يُخفي في باطنه صفات خِلْقيّة غاية في القبح والبشاعة والقسوة. ناهيك عن الأفعال السّيّئة التي وصلت به حد ارتكاب جريمة قتل، إضافة لنكران فضل الغير والخيانة والتّلاعب بمشاعر النّساء واستغلالهنّ لمآرب في نفسه…كلّ هذه الأفعال لم يضعها الكاتب اعتباطيّا وانّما أراد أن يؤكٌد بها أنّ هذا الوجه الخارجيّ المُتظاهر بالفضيلة والعفّة يخفي داخله روحا شيطانيّة لا يثنيها شيء عن أفعال الشرّ.
على عكس الصّورة المتداولة في رواية أوسكار وايلد رُسمت ملامح الشّخصيّة الرّئيسيّة برواية “أحدب نوتردام” للفيلسوف الفرنسي فيكتور هوجو. إذ كان بطل هذه الحكاية شابّا دميم الخِلقة لديه حِدبة في ظهره، ممّا جعل كل النّاس المحيطين به ينفرون منه ويرفضون فكرة التّواصل معه من الأساس، باستثناء الكاهن الذي أشفق عليه فآواه وجعله قارعا لأجراس كنيسة مدينة نوتردام. تتالت سيرورة الأحداث لاحقا لتكشف الجوانب المخفيّة التي لم يعرفها القارئ بداية، والمتمثّلة في الطّبيعة الخيّرة والسّمات الانسانيّة الملازمة لروح البطل فنراه معطاءً مُحبّا يقدّم يد المساعدة لمن يحتاجها دون أن يطلب مقابلا أو مشاعر متبادلة بالذّات من الفتاة التي وقع في غرامها فنفرت منه وأحبّت غيره. ورغم علمه ويقينه أن مبادلتها إيّاه المشاعر أمر مستحيل وبعيد المنال ظلّ على الدّوام ملازما لها لينقذها من كلّ مأزق تقع فيه ويدعمها ان احتاجت للدّعم.
إنّ تشوّه صورة الانسان الذي كان موجودا في كلتا الرّواتين وعلى اختلافه سواء كان في السّمات أو الصّفات، خِلقيّا أو خُلقيا جاء ضرورة لينفي صفة الكمال من الذّات البشريّة. وليؤكّد على مدى أهميّة تقبّل الشّخص لنفسه بكلّ ما يمتلكه من مميّزات وعيوب ليكون متصالحًا مع نفسه. فيمتلك بعد ذلك الشجاعة الكافية التي تجعله يظهر للآخرين بوجهه الحقيقي دون خوف، ويصبح فردا له تأثيره الإيجابيّ داخل مجتمعه.