شهدت قاعة الفن الرابع بتونس العاصمة افتتاح الانشطة الثقافية والفنية بعد تعطل دام أشهر بسبب انتشار جائحة كورونا من خلال العرض الاول لمسرحية “مجاريح” لمركز الفنون الدرامية والركحية بقابس بإدارة الفنان صالح الجدي نص الكاتب الراحل ابراهيم بن عمر وسينوغرافيا واخراج حافظ خليفة.
المسرحية “مجاريح” حمل العنوان عديد التأويلات قبل مشاهدة العرض من هم المجاريح هل هم مجاريح العشق أم مجاريح الحرب ؟
لنكتشف من خلال العرض أن المجاريح هم ابناؤنا فلذات اكبادنا ” مجاريح” الثورة الذين اصطدموا بالأمن أثناء هتافهم والتهاب حناجرهم المطالبة بالحرية والكرامة هم جرحى الثورة الذين جرحوا أثناء الانتفاضة ثم تناسوهم بعد ما استتب الأمن للراكبين على الثورة.
تدور أحداث النص حول حاتم المواطن البسيط الذي يقتات من بيع السجائر تصيبه رصاصة قناص في مؤخرته فيسجل ضمن قائمة جرحي الثورة ويصبح الناطق باسم بقية المجاريح للبحث عن مصير الملف ومقدار التعويضات فيصدم ببيروقراطية الإدارة وفساده وانتهازية بعض المنظمات التي تدعي أنها حقوقية للتدخل والحصول على منافع شخصية فيتوه حاتم المواطن بين دهاليز الإدارة ولامبالاة المسؤول ليصل به الأمر إلى اتهامه شخصيا ويحال على القضاء
ويعالج النص -رغم طرافته- أزمتين مترابطتين هما مأساة جرحى الثورة وفساد الإدارة والقضاء، حيث يدعو المتلقي الى ادراك عمق مأساة الجريح، جرح مادي وجرح نفسي، جعله مثل المتسول الباحث عن استرداد كرامته لدى من ليست لهم كرامة وباحثا عن حق لدى من أكلوا حقه ورفضوا حتى الاستماع إليه ليطلق صرخة ألم في حق هذا البلد الذي استغل ثرواته المتكالبون على السلطة والراكبون على الثورة .
وطرافة النص تكمن في النقد السياسي للأشخاص وللأحداث والتلاعب بالألفاظ والكلمات والمفردات والتهكم على الوضعيات حتى نفسه لم تسلم من التهكم .
كذلك عالج النص بطريقة كوميدية ساخرة الفساد الإداري من خلال فترات الانتظار وضياع الملفات بين أروقة الإدارة والعلاقات المشبوهة بين المسؤولين في الإدارة وبين المنظمات التي تدعي بانها حقوقية ومنظمات المجتمع المدني والتشدق بكلمة النضال خدمة لمصالهم الشخصية .
اخراجيا كان المخرج حافظ خليفة كعادته وفيا للصورة المشهدية مقترحا أساليب إخراجية متعددة موظفا الموسيقى للدكتور رضا بن منصور كجانب أساسي في توازن ايقاع المشاهد باختيارات فنية تلامس الوجدان في جميع المشاهد المعتمدة إضافة إلى ذلك عنصر الإنارة التي أمنها رمزي النبيلي كجزء أساسي في بناء المشاهد والتنقل من فضاء إلى فضاء إضافة إلى اعتماد الخيال الصيني وآداء للممثلين الذي يطغى عليه الكوميديا دي لارتي ، فجاءت الصور والمشاهد عبارة عن لوحات تشكيلية متفردة غاية في الجمال .
بالنسبة للممثلين فقد كان المخرج مصيبا في اختيار فريق عمله المتكون من أساتذة ومحترفين من الجهة أعطوا للمسرحية رونقا وتفاعلا وانسابية في الاداء تكاد تجزم انهم كانوا طرفا في الثورة حيث حلقوا مع النص عاليا وتفاعلوا مع الجمهور بشخصياتهم المركبة والساخرة من كل شيء ، وهم على التوالي المنذر العابد وجليلة بن يحي وعبد الباسط الشاوش ونادية تليش وحسان مرّي وآدم الجبالي .
وأخيرا وعودة للمشهد الاستهلالي للعرض فقد انطلقت المسرحية بسرد طرفة سياسية معروفة حول تلاعب الرأسمالية بالقوى الكادحة بينما الحكومة نائمة والشعب تائه والمستقبل غارقا في القذارة .
هذه البداية تعمدها المخرج لاستفزاز المتلقي في طرح الأسئلة والبحث عن الأجوبة في تفاصيل القادم من المشاهد : في ماهية الدولة ؟ ما سبب ما آلت إليه أمور البلاد من حال بيروقراطي ؟ فأين وعود السلطة لشعب يعيش ويلات التهميش لسنوات طوال ؟ .
أسئلة لم تطرح صراحة بل طرحها الجمهور بينه وبين نفسه ليعيش مأساة الإجابة من خلال صرخة المواطن المتحطم على جدار البيروقراطية الفاسدة والألم ما يزال متواصلا.