بيان
تعيش بلادنا على وقع مخلفات الحجر الصحي الذي تسبب رغم دوره الصحي المهم في نتائج اقتصادية وخيمة، ورغم أنّ أغلب القطاعات قد وجدت الدعم والمساندة إلاّ أنّ قطاع الكتاب، وهو القطاع الأكثر هشاشة والأكثر خطورة باعتبار دوره الأساسي في صياغة العقول، يقف اليوم على شفير الهاوية؛ فالمعارض أجّلت والمكتبات وإن استأنفت نشاطها تشكو غياب الحرفاء حتى أن مداخيلها لا تكاد تغطي المصاريف في انتظار العودة المدرسية. وكنا نأمل في محافظة وزارة الشؤون الثقافية على التزاماتها -بل وتدعيمها- ولكننا فوجئنا إلى حدّ اليوم بغياب كل أشكال الدعم رغم كثرة الوعود والمسميات فبعد انقضاء ثلثي العام لم يصل أي مليم من كل أنواع الدعم لأي ناشر، فلا دورة الشراءات التي أقيمت بصفة استثنائية عن بعد منذ أكثر من أربعة أشهر اكتملت بسبب كثرة العراقيل الإدارية، ولا دورة دعم الورق، إذ مازلنا ننتظر الإمضاء على تقريرها قبل الدخول في دورة إعداداتها، ولم تعقد أي جلسة لصندوق التشجيع على الإبداع، أمّا التوصية بالنشر فلم تنزل إعلاناتها بعد، وأمّا الصندوق المبشّر به، أي صندوق دفع الحياة الثقافية، فرغم كثرة الوعود لم نرَ منه شيئا، بل إنّ الموجة الثانية من الكورونا قد وصلت ولم تصل هذه المساعدات… ورغم أن وزارة الشؤون الثقافية أوقفت جميع أنواع التعامل مع الفاعلين الأجانب إلاّ أنّها تريد المحافظة على شراءات الكتب الأجنبية رغم كلّ ما يحفّ بها من مشاكل متعلقة بحقوق التأليف، وكذلك ما يتعلق بتوريد هذه الكتب من فساد في علاقة بمصادرها، كما أنه كان حقيقا بالوزارة توجيه ميزانيّة الاقتناءات الأجنبية لهذه السنة بصفة استثنائية لدعم الكتاب التونسي كما فعلت في كل القطاعات الثقافية الأخرى للمحافظة على العملة الصعبة.
وفي ظل هذه الظروف العسيرة خرجت علينا وزارة الشؤون الثقافية بمبادرة بصمات إبداعية، ورغم تثميننا لأيّ مبادرة لتشجيع الشبّان إلاّ أنّنا نستنكر استيلاء الوزارة على دَوْر الناشرين، ضاربة عرض الحائط بكل وعود المشاركة في اتّخاذ القرارات، ولم نرَ لهذا التجاوز مثيلا في كافة القطاعات الثقافية الأخرى. ألم يكن أجدر بالوزارة تنظيم مسابقات بالاشتراك مع المجتمع المدني وممثّلي الجمعيّات الثقافية والكلّيات لاختيار النصوص الأولى المتميزة ثمّ إحالتها بعقود شراكة للناشرين لمزيد دفع القطاع ووضع هؤلاء المبدعين في محيطهم الطبيعي حتى لا تبقى نصوصهم بعد صدورها حبيسة المكتبات العمومية وتتحوّل الوزارة إلى منتج وحريف في الآن نفسه.
وما زاد في تعكر الوضع هو إقدام السيدة وزيرة الشؤون الثقافية على إلغاء المعرض الوطني للكتاب؛ هذا المكسب الذي طالما ناضل من أجله الناشرون لسنوات طويلة والذي أسهم في تنشيط الحياة الثقافية والتجارية وإدخال الحيويّة على مدينة الثقافة والعاصمة. ونحن إذ نرفض هذا القرار الارتجالي نعلن تمسّكنا به مكسبا وطنيا واستعدادنا لكل أشكال النضال للمحافظة عليه، رغم أننا كنا ننتظر من السيدة الوزيرة مزيد دعم هذا المكسب بمعارض جهوية وإقليمية. أمّا معرض تونس الدولي للكتاب فرغم أنه لم يتبقّ على موعده غير شهرين إلاّ أنه مازال يكتنفه الغموض ولم تجتمع هيئته منذ فيفري الفارط ونحن نشكّ في انعقاده ونجاحه إذا انعقد باعتبار استحالة تنظيمه دوليّا.
في ظل كل هذه الظروف وفي ظل التهميش واللامبالاة التي يشكوها قطاع الكتاب وممثّلوه، يعبّر اتّحاد الناشرين التونسيّين عن استيائه من هذه السياسة التي لا تولي الكتاب الأهمية التي يستحقّها والتي لا تقدّر كمَّ المخاطر التي يواجهها القطاع وتطلق صرخة فزع لما آلت إليه أوضاع الكتاب والنشر ببلادنا، فقد نجد أنفسنا بعد أشهر إزاء دور نشر مفلسة ومشاريع مغلقة والمزيد من اليد العاملة المسرّحة، والأخطر من ذلك مزيد تدهور وضع الكتاب التونسي الذي شهد انتعاشة كبيرة كمًّا ونوعًا في السنوات القليلة السابقة بمجهودات الناشرين والمبدعين. ونحن نعلن عن تجنّدنا لإنقاذ القطاع بكلّ الوسائل الممكنة للمحافظة على مكتسبات الثقافة التونسية التنويرية.
عاش اتحاد الناشرين التونسيين صائنا للكتاب وذائدا عن مكاسبه.
عن الهيئة المديرة
محمد رياض بن عبد الرزاق
رئيس اتحاد الناشرين التونسيين