قدمت مساء الجمعة 3 مارس 2023 شركة ميتوس للإنتاج العرض قبل الأول لمسرحية “أثر الفراشة” الموجهة للأطفال و اليافعين. ألف هذا العمل المخرج الشاب عاطف الحمداني الذي أخفى عن جمهوره الفراشة ووجه عقول الأطفال فقط لأثرها الملهم.
فأثر الفراشة قبل أن يكون عنوانا لهذا العمل المصقول جماليا، هو مثل لتوضيح نظرية ترابط التأثيرات والتطورات المتتالية بشكل يصعب توقعه، بما يتجاوز تأثير كرة الثلج فرفرفة جناح فراشة قد تنجر عنه فيضانات وأعاصير لكن مخرج العمل تأسى بالشاعر محمود درويش الذي حول هذه النظرية من فاجعة علمية الى أثر شعري يؤكد أن للفن والذوق الرفيع أثر خارق على قادم الأجيال كأثر جناح الفراشة حين تراقص الورود.
ومن هذه الزاوية أخذ مبدعونا المشاهد في رحلة خرافية ستترك من الأثر أطيبه وأرقاه في ذهنية أطفالنا سواء من الصغار أو اليافعين.
تدور أحداث مسرحية أثر الفراشة حول الرحلة المشوقة التي خاضتها لينا صحبة أخويها بديع وسريع في أعماق الغابة المسحورة وتحمل مخاطر المغامرة العجيبة بحثا عن التفاح السحري لرفع اللعنة عن المملكة العظيمة.
رغم إشتراك الإخوة الثلاثة في طريق الرحلة وأهدافها إلا أنهم يختلفون في أبعاد شخصياتهم ودلالاتها الأمر الذي تمكن الممثلون نوح الرمة و حسان الحناشي وأماني مبروكي من إبرازه ببراعة تضمن تنوع الآداء دون التخلي عن التناسق في الحركة وردود الفعل.
فسريع بدا سريعا ميالا للتسرع وبديع بدا صارما مبالغا في الصرامة في حين تملك لينا قدرة على التفكير في الخطوات ودراستها قبل خوضها. فرغم صغر سنها إلا أنها سبقت بخبرتها قبل خوض التجارب ميدانيا، من خلال شغفها بالمطالعة والاستفادة من حكمة السابقين وخيال المبدعين ومعلومات اصحاب التجربة.
كما تحفز شخصية لينا الطفل على تجاوز التنمر والتقليل من القيمة سواء من قبل من يكبرها سنا أوبنية جسدية أو ذوي العقلية الذكورية الذين يحصرون دور الطفلة والأم في خدمتهم لا غير، إذ أثبتت قدرتها على أن تكون الشخصية الأكثر فاعلية في المغامرة والبطلة المنقذة لأبيها وللمملكة ككل.
وذلك من خلال التزامها بنصائح والدها الملك وقدرتها على التفاوض مع ساحرة الغابة وتجنب اللصوص عكس أخويها المندفعين. ما يشد انتباه الطفل ويجعله أكثر انغماسا ومتعة في مراحل الرحلة المشوقة هو تنوع الصور وجودتها بفضل لمسات المصمم معاذ العيادي والرسام سمير الحرزالي.
وكذلك دقة اختيار الألوان وجزئيات الديكور خاصة قطع الفطر الإصطناعية التي ما كان لها أن تنبت لولا خصوبة أيادي الفنانة ألفة الخليفي. ورغم الطابع الخيالي للحبكة فقد تمكنت المصممة إسلام شلادية من إضفاء الطابع التونسي على ملابس الشخصيات. وما زاد الرحلة متعة وتفصيلا في متغيراتها الزمانية والمكانية هو الدقة العالية في تصور الإضاءة وانتقالها السلس في تناسق تام مع جمالية موسيقى منتصر العويني. فعناصر العرض تنصهر في إكسير سحري واحد يفتح أمام أذهان أطفالنا فجوات من الخيال الممتع أين يجد شخصياته المعتادة كالملك الطاعن في السن بصولجانه المذهب ولحية كأنها قطعة من سحابة بيضاء و الساحرة ذات الأصابع المتطاولة والضحكة المتقطعة كشرارات من النار.
أين أبدع الفنان نزار الكشو في دور الملك ونال من فيض خبرته من شاركوه الركح في حين فاجأتنا العرائسية مريم الزياني بتخليها عن عروستها لتكون ممثلة لا محركة تمسك خيوط الحكاية لتكشف للمشاهد أن السحر واللعنة ليسا سوى خرافة.
لتنتهي الرحلة مكللة بالعبر التي دونها محمد الصديق الرحموني في كلمات اغنية من ألحان الفنان طارق مبارك.