يبدو أن هناك إجماعا حول الإقرار بتصنيف تونس ضمن الدّول التي باتت تشهد أزمة مرتبطة بالماء أصبحت تهدّد السلم وتدفع بالمجتمع المحلّي نحو الاحتجاج وتكثيف المطالبة بتوفير المياه وتحسين جودتها وعدم تواصل انقطاعها[1].
فهل أنّ اعتبار تونس بلدا فقيرا مائيّا هو حقيقة يجب التسليم بها، أم أنّ الاحتياجات المائيّة الاقتصادية والبشريّة أكثر بكثير من الإمكانيات الموجودة والبلاد غير قادرة على تعبئتها، أم أنّ هناك خللا في التصرّف في المياه ومعالجة هذا الخلل ستمكننا من تحقيق توازن بين العرض والطلب واكتفاء ذاتيّا يجعل حاجيات الفرد والمجموعة من المياه تصبح هدفا ممكن التحقّق؟
انطلاقا من هذه الأسئلة سنحاول البحث في حقيقة الإمكانيات المائيّة للبلاد التونسيّة وحجم الموارد المائيّة اللازم توفيرها حتى يخرج الفرد من دائرة الفقر المائي (400 متر مكعّب حاليّا) ويحقّق المستوى الذي تقرّه المعايير الدوليّة (900 متر مكعّب سنويّا على الأقل).
ثمّ سنعمل على فهم حجم الاستهلاك البشري من المياه في تونس ونسبة هذا الاستهلاك من جملة الاستهلاك العام، وهو ما يجعلنا نحدّد القطاع الاقتصادي الأكثر إنهاكا للموارد المائيّة والسبل الكفيلة بعقلنة حاجيات هذا القطاع بغاية التخلي عن الأنشطة المكلفة مائيّا وغير المجدية اقتصاديّا واجتماعيّا.
وسنركّز في هذا العمل أيضا على تفكيك الإطار التشريعي المنظّم لاستغلال وتوزيع وحماية الثورة المائيّة، وذلك لفهم مدى ملاءمة التشريعات لمبدأ ديمقراطيّة المياه، ومدى مواكبة قوانين المياه لتطوّر الواقع المناخي والاقتصادي والاجتماعي الحالي. هذا التفكيك سيجعلنا نقف على مدى جديّة الحكومات في التعامل مع المسألة المائية كحق أساسي وكخدمة عامة وليس كسلعة مفتوحة على دعوات الخصخصة والاستثمار الخاص.
وعلى ضوء ما تقدم سنحاول صياغة جملة من المقترحات والتوصيات التي بات من المهمّ التفكير فيها لتلافي النقائص والإشكالات المغذيّة لأزمة المياه في تونس، فالحوكمة والنجاعة في التصرّف وتحوير التشريعات ومراجعة الإخلالات خاصة المتسبّبة في الإهدار المتنامي للموارد المائيّة من شأنه أن يخفّف من وطأة الأزمة المائيّة بتونس.