بققلم: يونس السلطاني
في مثل هذا اليوم (03 أكتوبر) من السنة الفارطة سُعد أهل الثقافة والفن بعودة الاحتفاء باليوم الوطني للثقافة بعد انقطاع دام فترة كل سنوات ما بعد “الثورة”. ورغم الجدل الذي رافق حيثيات تنظيم هذا “اليوم” من حيث الإحصائيات والدروع وعدم الإجماع على قائمة الموسمين، إلا أن رمزية إحياءه كانت له من الدلالة والحكمة من حيث اعتراف الدولة التونسية، على غرار كل الدول التي تحترم نفسها، بدور الثقافة وأهلها في بناء المجتمع التقدمي، المجتمع المتوازن، المجتمع المواطني.. باعتبار أن الثقافة هي إحدى الأركان الرئيسية في حياة الكائن البشري وحاجة يومية لا فرق بينها وبين فوائد الغذاء الصحي، كالقول بأن الغذاء السليم في الجسم السليم، فالثقافة هي أيضا ممارسة وتفكير واستنباط واستشراف.. وهي الوسيلة والسبيل لخلق التوازن والأمن والتقدم والازدهار في المجتمع ولدى أفراده.. هي الطريق إلى الحياة وتبنّي أدوات عيشها بدءا بالعمل والأمل مرورا بحرية التعبير وتوسّل الحق والواجب للوصول إلى مفهوم المسؤولية في العيش الكريم وإثبات الذات.
كثيرا ما يتداول الساسة التونسيين خطاب ضرورة تضافر الجهود من أجل التصدي إلى ظاهرة الإرهاب وألا تقتصر مقاومته على المقاربة الأمنية والعسكرية بل إن الثقافة هي كما التعليم والروافد الاقتصادية، عوامل وجب التركيز عليها. لكن من الملاحظ أن كل تلك الخطابات الرنانة بقيت حبرا على ورق حتى أننا لم نسمع ولم نقرأ في برامج الأحزاب وفي جلسات مجلس النواب ولدى رئاسة الجمهورية ولو نقطة واحدة تتعلق بالشأن الثقافي أو مجرد نوايا لتنظيم استشارة وطنية حول الثقافة والرفع من شأن الفاعلين فيه.
من المعلوم أن مؤشرات العنف ومنسوب الجريمة والانغلاق في ارتفاع مستمر خاصة في الفترة الأخيرة إذ عاشت تونس الجريحة جرائم عديدة وأعمال إرهابية هزت الرأي العام الذي لم يكن عبر التاريخ ولا ينحاز إلى هذه المظاهر الغريبة على الشعب التونسي..
آفات جديدة تكاد تنخر المجتمع بشكل يومي ولا نخال أن تدارك ذلك سيكون بالأمر الهين إذا لم تتضافر، فعلا وليس تشدقا، جهود كل الأطراف المتدخلة وأولها النخبة التونسية من رجال الإبداع والفن والثقافة في مختلف تعبيراتها الإنسانية وأشكالها الفنية على غرار المسرح والسينما والرسم والموسيقى وكل أجناس الكتابة وإبراز تراثنا الحضاري ورموز ثقافتنا الوطنية.
لا سبيل لتجاوز هذا الارتباك الذي تمر به الدولة التونسية، وبعيدا عن الشعارات الفضفاضة لمفردات التآزر والتضامن..، إلا بتشريك نخبتها ومبدعيها وفنانيها باعتبار أنهم الأقدر على مخاطبة عقول الناس وأحاسيسهم وخاصة الإحاطة بالشرائح العمرية الهشة التي هي في أمس الحاجة أكثر من أي وقت مضى إلى استراتيجية إنقاذ وطني ينهض بما أصابهم من إحباط وفشل ويأس دفعهم إلى الإقبال على المخدرات وارتكاب الجرائم وامتطاء قوارب الموت.
بالمحصلة، إن الثقافة هي من أوكد أسباب الأمن القومي واستتبابه ولعل الاحتفاء بالكتاب والمبدعين والفنانين الذين عانوا الأمرين جراء جائحة كورونا هو من واجب الدولة دون سواها ولا نجد حقيقة تفسيرا لهذا التجاهل بعدم المضي في إقامة الاحتفال باليوم الوطني للثقافة بعد عودة انتظامه في السنة الماضية وكل الخشية بأن يُحشر هذا اليوم لدى الثورجيين في زاوية التشخيص والمزايدات على حقبة الدولة التونسية ما قبل “انتفاضة” 2011.
اليوم الوطني للثقافة من حق القطاع والتوانسة.. فهل من مُجيب ؟