full screen background image
   الأربعاء 4 يونيو 2025
ر

حواريّة الفقد والحنين

بقلم: حسن ماكني

ماطر 31 ماي 2025

 

 – قالت:

أما زلت تكتب في دفترك الأزرق

عن الفقد ؟

وعن الذين غادروا

ولم يلوّحوا للوداع؟

قلت:

بل أكتبُ عن الذين بقوا…

فيَّ

من قال إنّ الفقدى دائماً موت؟

أحيانًا… هو مجرّد صمتٍ طويل،

من جهة القلب.

قالت:

لكنّهم تغيّروا،

المدينة تغيّرت،

وأنتَ حتّى… صرت أكثر صمتا،

أقلّ ظهورا

كأنك تعتذر من الذّاكرة.

قلت:

كبرتُ،

والصّمت ليس هروبا،

إنّه حيلة العاقلين

حين لا جدوى من الكلام.

قالت:

أتذكّر صوت أباك ؟

كان يوقظك قبل الفجر

كأنه يُوقظ القرية من موتٍ مؤقّت.

قلت:

وكان أبي يشبه الشّجرة،

كلما هبّت ريح…

تسندُ البيت من الدّاخل.

قالت: هل تعرف؟

أشتاق لصوت أمّك في المساء،

كانت تغنّي بصوتٍ خافتٍ

كأنها تخاف على الحكاية أن تنتهي.

قلت:

وأنتهيتُ أنا بعدها…

أتعلمين؟

الحنين ليس وجعًا

بل رغبة مؤجّلة في العودة

وأنا كلّي

تأجيل.

قالت :

صرتَ نُشبه القصائد القديمة…

مليئةً بكلّ شيء،

ولا يُقرَؤُها أحد.

قلت:

لم أعد أكتب كي أُفهَم،

أكتب كي لا أُنسى،

كي أقول لنفسي:

“كُنت هنا، ذات حنين.”

قالت:

ولم نكن وحدنا…

كُنّا ظلّين في دربٍ ضيّق،

نسألُ العابرين:

هل رأيتم طفولتنا تمرّ من هنا؟

قلت:

لم يرونا!

لكنّنا رأينا أنفسنا كثيرًا،

في وجوهٍ تشبهنا حين نُحبّ،

وفي قصائد

نسينا أن نرسلها إلى أنفسنا

قالت:

فليكن الحنين، إذًا،

لغةً لا تحتاج للردّ

ولنكن نحن،

كما كنّا:

أصدقاء في غيمةٍ

تتذكّر الأرض

كلّما اشتاقت.

صورة الغلاف:

من نادي الرسم بالمركب الثقافي بسليانة

تصوير الشاذلي عرايبية