أن للكسل ضريبته الاقتصادية والاجتماعية ويقطع عن التطور العلمي طريقه الأسرع إلى الإزدهار إلا أنه بالنسبة إلى الكاتب شيء آخر ربما يصل إلى درجة الضرورة. اذ يحتاج الكاتب إلى فترة من الكسل يقطع فيها مع العالم واليومي،فكما يرى ألبير قصيري أن الكسول هو وحده الذي يمتلك الوقت للتأمل في الحياة فعندما سئل لماذا تكتب؟ أجاب: “حتى لا يستطيع أن يعمل في الغد من يقرأ اليوم ” الكسل جزء من التكوين الشخصي للكاتب ويبدو أنني من بين أولئك الكسالى الذين يمضون أغلب الوقت على البحر. وأغلب المناشير الموجودة على صفحتي في الافتراضي هي صور الايام التي امضيها على البحر أجملها واكثرها مرارة. الكثير من التأمل، الكثير من الطاقة؛ البحر ملهم ! يجعلني استعيد نفسي وأفكر بطريقة صحيحة ومتوازنة يجعلني أرتب أولوياتي وأخرج بقايا الشرور العالقة في صدري. أشاهد الكثير من الأفلام هذه الفترة وخصوصا الكورية منها، أقوم بتحضير قهوة الاكسبريس آخذها معي إلى البحر الذي يبعد عن المنزل بضعة أمتار، أتمشى على الرمل قليلا ثم أستقر في مكاني المفضل وهو رقعة رملية صغيرة تشبه الخليج لتتكاثف في رأسي الافكار وتفيض بي المشاعر، نعم… يلهمني مايحصل اليوم ويبكيني. الإنسانية في خطر. الناس يرحلون كل يوم عنا وعن أحبتهم وربما نحن في مابعد. لم أكن أعرف أن ذاك اليومي – الملعون الخانق الفاقد لِلذة التجدد- ملهم وجميل وغالي! الآن فهمت أنه كان على الأقل ينبئ بالحياة. الوضع العام في الكون وفي البلد موجع أيها البحر هكذا أحدثه. تداهمني الرغبة في البكاء وطبعا أبكي وطبعا أكتب! إحدى شخصيات روايتي التي بصدد كتابتها أسميتها monsieur propre الطبيب الذي سيتسبب في مجزرة بشرية باسم العلم. النص فلسفي والفكرة مؤرقة ومقيدة جدا. فالبيت مجرد مكان أفرغ على جدرانه بعض الحبر في أسطر وغالبا في جملة مكثفة ، ليس لأنني على قدر كبير من الكسل فحسب بل إيمانا مني بالمراكمة؛ لأن المشاعر والأشياء التي تؤثر فينا لا يمكن أبدا ترجمتها إلا بعد أخذ مسافة. أنا أمضي أغلب الوقت قريبا من الملح أتابع آخر الأخبار المتعلقة بمحاولات إيجاد دواء لهذا الوباء أتابع أخبار البلاد وأشاهد بشغف monsieur propre في شتى وسائل التواصل وأحاول تشكيل شخصية روايتي بما يناسب.
# سميحة مسعودي