بقلم: رياض بوسليمي
من الصعب الحديث عن الشاعر العربي الكافي إسهابا كان أو إيجازا. وهو لمن عرفه معلّم الشعر وقاهر الكلمة يقول لها كوني فتكن كما يريد بل وتأتيه مطيعة صاغرة، ومن الشعراء الذين لا تزال أعمالهم تتلذذ بسماعها الآذان وترتج بعبق بحورها وحروفها ذاكرة مدينة جندوبة إلى حد الغرق..شاعر إستثنائي بكل المعايير لا يمكن أن تفصل بين شخصيته وبين مدارات الشعر عنده ، كلاهما وصف للآخر، وشعره ترانيم خلود وأديسة عربية، كلماته تراها حينا وهج من نار تنبعث ممن إكتوى بحرقة الزمن وغدره حتى أصبح يقارع بسيف الحرف نوائبه وغرائبه ولا يكترث بإرتداداته..
لا غرو إن قلنا أن شاعرنا قد تمرس بالشعر حتى عرف كل خفاياه وأصبح لغته اليومية التي يعبر بها عن تنكر الواقع وغربة المثقف في الوطن الجريح ، هو شاعر يخوفنا ويحببنا في الحرف في الوقت ذاته، عندما يغزل خيوطه بحبكة ويصبح رهن إشارته يصوبه حيث شاء بل وتشعر بالفخر وهو إبن الجهة المقيم بعيدا عنها وتقف مبهرا بما يرسمه من لوحات وصور لا يقدر عليها إلا قلة قليلة ممن يصح تسميتهم بفحول الشعراء ..عندما تسمع إليه تحظى بمتعة لم تشعر بها من قبل، بل ويزيد من تعلقنا بالكلمة وإيماننا برسالة الحرف ونبوءة الشعر..
لست هنا لأدرس تجربته الإبداعية الثرية وإنما لأبوح بما قدمه لنا من متعة عندما شنف آذاننا بمختارات من قصائده الباذخة.
مهرجان أيقونة لفن المقاومة بدار الثقافة فرنانة المنتظم في إطار إحياء الذكرى التاسعة للثورة يوم 14 جانفي الجاري، ضرب لنا موعدا مع الشعر الملتزم ، فعاد إلينا شاعرنا بعد غياب لسنوات عديدة وكان اللقاء بطعم الفرح والحنين لتلك الأيام التي جمعت بين الشعراء والكتاب على أرصفة لا تبالي ..، وكان لحضور الشاعر فيصل البدوي رفيق درب شاعرنا أثره في الأجواء ..
هي كلمات أردناها عربون وفاء ومودة وإحتفاء بشاعر عزيز، يعود إلينا ومعه عناوين المحبة تملأ كل حقائبه ورسائل الشوق الشفافة نقرأها على محياه قبل كلماته، جاءنا من بعيد، فكان حضوره حدث أضيف إلى حدث الأمسية الأدبية..