ختُتمت، مساء الأربعاء 7 ماي 2025، فعاليات الدورة التكوينية الوطنية لتحليل الأداء الرياضي، التي احتضنتها مدينة سوسة على مدى ثلاثة أيام، من 5 إلى 7 ماي، بتنظيم من شركة Nacsport الإسبانية، الرائدة عالميًا في تطوير برمجيات تحليل الأداء الرياضي، وبالشراكة مع نخبة من الكفاءات المحلية المختصة في المجال الرياضي والتقني.
وقد تميّزت هذه الدورة بمستواها الاحترافي العالي، سواء على مستوى التنظيم أو المحتوى العلمي والتقني المقدم، ما جعلها تُعدّ واحدة من أبرز المحطات التكوينية التي عرفتها الساحة الرياضية التونسية خلال السنوات الأخيرة.
مشاركة نوعية ومحتوى متقدم يواكب المستجدات العالمية
شهدت الدورة مشاركة واسعة ومتنوعة ضمّت رياضيين محترفين، مدربين من مختلف الاختصاصات، مديري فرق، خبراء بدنيين، وصحفيين رياضيين، إلى جانب حضور لافت لممثلين عن أندية محترفة وهياكل رياضية وطنية. وقد انخرط المشاركون في سلسلة من الورشات النظرية والتطبيقية التي صُمّمت بعناية لتواكب أحدث التطورات في مجال تحليل الأداء. وتركّزت المحاور الرئيسية للدورة حول تقنيات تحليل الفيديو الرياضي، وتحليل الأداء البدني والتكتيكي للاعبين والفرق، مع تطبيق عملي مباشر لبرمجيات Nacsport المتقدمة، التي تُعتمد في كبرى الأندية العالمية مثل ريال مدريد، ليفربول، وأتلتيكو مدريد، وغيرها من المؤسسات الرياضية ذات المستوى العالي.
مكرم سريب: خبرة دولية في خدمة الكفاءات التونسية
أشرف على تأطير الدورة الخبير الدولي مكرم سريب، محلل الأداء الرياضي المعتمد من Nacsport ووكيل اللاعبين المعترف به من الاتحادين الفرنسي والدولي لكرة القدم. وقد شكّلت مساهمته القيمة إضافة نوعية للدورة، حيث نقل للمشاركين عصارة تجربته الممتدة لأكثر من عقد في ميادين الرياضة الأوروبية والعربية.
وتميّزت العروض المقدمة من طرفه بطابعها العملي والتفاعلي، حيث تم دمج النظري بالتطبيقي في أسلوب تدريبي محاكي لواقع الفرق، مما أتاح للمشاركين فرصة فهم عميق لكيفية استخلاص المعطيات الرياضية وتحويلها إلى أدوات تحليل دقيقة تساعد في صنع القرار الفني والتكتيكي.
وقد ركّز سريب في مداخلاته على ضرورة إدماج أدوات التحليل الرقمي في الحياة اليومية للمدرب واللاعب، مشددًا على أن “النجاح في الرياضة الحديثة لا يعتمد فقط على الموهبة أو الجهد البدني، بل على القدرة على قراءة الأرقام والتفاعل مع المعطيات الميدانية”.
تفاعل الحاضرين: الدورة تجاوزت التكوين التقليدي
لاقى هذا التكوين استحسانًا واسعًا من الحاضرين الذين عبّروا عن ارتياحهم الكبير لمستوى التأطير والمحتوى، وأكدوا أن التجربة كانت فريدة من نوعها، وفتحت أمامهم آفاقًا جديدة لفهم واقعهم الرياضي من زاوية تحليلية وعلمية متقدمة. عدد من المدربين وصف الدورة بأنها “منعرج حاسم في مسيرتهم المهنية”، فيما أشار البعض إلى أنها عرّفتهم على مفاهيم جديدة لم تكن مألوفة في البيئة الرياضية التونسية، مثل: التحليل السياقي للأداء، الربط بين البيانات البدنية والتكتيكية، والتخطيط الاستراتيجي المبني على المعطيات الدقيقة.
نحو بناء منظومة تكوين جديدة تقوم على التكنولوجيا والمعرفة
في ختام الدورة، عبّر المدرب مكرم سريب عن فخره بنجاح هذه المبادرة، مؤكدًا أن الدورة لم تكن مجرد ورشة تكوينية، بل انطلقت كرؤية استراتيجية تسعى إلى إرساء ثقافة تحليل الأداء كأداة مركزية في تطوير الممارسة الرياضية.
“نحن لا نقدّم فقط أدوات تقنية، بل نسعى إلى تغيير الذهنيات، إلى جعل التحليل جزءًا من يوميات المدرب التونسي، وركيزة أساسية في منظومة التدريب المحلي”، صرّح سريب، مضيفًا: “نطمح إلى أن تصبح هذه المبادرة نواة لبرنامج وطني لتكوين الكفاءات، يربط بين المعرفة العلمية والواقع الميداني، ويساعد الأندية والمنتخبات على بناء خططها على أسس علمية دقيقة.”
استمرارية المشروع: دورات مقبلة وبرامج شراكة
وفي إطار مواصلة هذا التوجه، أعلن المنظمون عن إعداد برنامج تكويني متكامل، سيتضمن سلسلة من الدورات التدريبية التي ستُقام بمختلف جهات الجمهورية خلال الأشهر القادمة، بهدف توسيع قاعدة المستفيدين وتعميم استخدام أدوات التحليل الحديث في جميع مستويات الممارسة الرياضية، من فرق النخبة إلى مدارس التكوين الشابة.
التحليل الرياضي: من خيار تكميلي إلى ضرورة استراتيجية
بات من الواضح أن تحليل الأداء الرياضي لم يعد ترفًا أو أداة تكميلية، بل ضرورة استراتيجية لأي نادٍ أو منتخب يسعى لتحقيق نتائج متميزة. وهذه الدورة، بما قدّمته من محتوى رفيع وتطبيقات عملية، تمثل نموذجًا يُحتذى به في بناء منظومة تكوين رياضية حديثة، قادرة على مواكبة تطورات الرياضة العالمية، وإعداد أجيال جديدة من الكفاءات التونسية المؤهلة.