بقلم:
الإعلامي محمد الفرجاني
من ليبيا
كثرت في الآونة الأخيرة الأصوات التي تنادي بتجديد الخطاب الإعلامي الديني والسياسي وفصل الدين عن السياسة ، وخاض فيها من خاض، من يفهم التجديد بأنه تجديد للأساليب والوسائل فقط، ومن يقدم هذا التجديد على أنه هدم لبعض الثوابت والمعطيات الإسلامية التي تمس أحيانًا أسس هذا الدين، وغير ذلك ممن تناسوا أنَّ الدين الإسلامي هو دين متجدد بطبعه في وسائله وأساليبه، انطلاقًا من أنَّ الوضع الديني جزء من المناخ الفكري للمجتمع، وتطويره وتجديده ضرورة ملحة من الضرورات الحتمية، حتى يكون هناك توافق مع مجريات العصر، فلكل عصر معطياته وظروفه، والتجديد هو خاصة لازمة من خواص دين الإسلام، نبه عليها النبي صلى الله عليه وسلم في قوله الشريف ” إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها”، وانطلاقا من كون رسالة الإسلام للناس كافة وأنها باقية وصالحة لكل زمان ومكان، فتجدُّد القضايا والحادثات مع مرور الأزمان يفرض قضية التجديد آلة محتمة لاستكشاف حكم الله في هذه القضايا والحادثات، ورغم ذلك نجد أنَّ الكثيرين يغفلون عن حقيقة مهمة هى أنه لكي ينجح التجديد الذي ننشده فإنَّ ذلك لا يتأتى بمعزل عن مسلَّمات كثيرة من أهمها تجديد الخطاب الثقافي، وتجديد الخطاب التربوي، وتجديد الخطاب الإعلامي، وعدُّ ذلك من ضرورات لإنجاح تجديد الخطاب الديني، ليؤتي ثماره داخل المجتمع وخارجه، فكم هي الحاجة ملحة إلى تجديد الخطاب الإعلامي الذي يقوم بدور مهم ومؤثر في توجهات الرأي العام واتجاهاته وصياغة مواقفه وسلوكياته من خلال الأخبار والمعلومات التي تزوده بها وسائل الإعلام المختلفة، إذ لا يستطيع شخص تكوين موقف معين أو تبني فكرة معينة إلا من خلال المعلومات والبيانات التي يتم توفيرها له، مما يؤكد قدرة الإعلام بكافة صوره وأشكاله على إحداث تغييرات في المفاهيم والممارسات الفردية والمجتمعية، عن طريق تعميم المعرفة والتوعية والتنوير، وتكوين الرأي ونشر المعلومات والقضايا المختلفة. والناظر إلى واقع إعلامنا في هذه الآونة ليدرك بصورة واضحة مدى تفشى الأمراض التي اجتاحت الكثير من وسائل الإعلام كالخلايا السرطانية، والتي تكاثرت وتفشت وانتشرت كالسوس ينخر العظم ووصل حتى الجذور، ولا يعرف كيف يمكن مقاومته، فقد برزت خطابات التحريض والكراهية بشكل واضح في مشهد الخطاب الإعلامي حتى تعددت أوجهه وأدواته وغاياته وأهدافه، حتى أضحى اليوم ما يسمى بصناعة الكراهية، وهي صناعة تتدخل فيها الحرب القولية والافتراء على التراث والعلم والتاريخ بل وتزييفه بين الجماعات المختلفة، وما أن تدخل الكراهية في مجتمع حتى تمزقه إربًا إلى جماعات وشيع منافرة ومتضادة، مما يؤكد أننا في حاجة شديدة إلى تجديد الخطاب الإعلامي ليكون وسيلة أساسية لتجديد الخطاب الديني، مما يستدعي المراجعة والتقييم وبلورة الوسائل الجديدة لهذه المرحلة، التي باتت من الخطورة ما يحتم أن تكون لها معطيات ومنطلقات تخدم هذه المرحلة بكل تحدياتها الراهنة والمستقبلة، في ظل الضغوط الخارجية والتحديات المقبلة التي أصبحت تفرض قسرًا وليس اختيارًا ذاتيًا خصوصًا أنَّ عالمنا الليبي محط الأنظار والأطماع والتوجسات والاستهداف أيضا من الآخر فلا يكفي في هذه المسألة التحذير والتخويف والتنظير الكلامي غير الواقعي لمواجهة مشاكلنا وإنما يجب أن تتم المواجهة برسم الخطط وإيجاد الوسائل الحديثة وإعداد البرامج الأكثر تشويقًا وجاذبية لخدمة قضايا المجتمع بصفة عامة ومواجهة ما يحيق بنا من أخطار بصفة خاصة بصراحة وحرية بعيدًا عن المبالغة والتهوين أو البتر والتحويل، لأنَّ هذه المرحلة وما يجتاحها من مخاطر ثقافية وفكرية واجتماعية تستدعي إعطاء روح جديدة للوسائل الإعلامية الليبية استهدافًا لتنمية الفكر البشري لتطوير المجتمع وإكسابه الخبرات العلمية والعملية ومهارات التفكير العلمي الناقد، وأهمية مقومات القدرة على تسخير المعرفة واستغلال إمكانات التداخل والترابط المعرفي في محاولة التعامل مع المشكلات المعقدة.
ومن هنا كان لا بد من إعادة النظر في الخطاب الإعلامي التابع الي الدولة بصفة عامة والقطاع الإعلامي الخاص بصفة خاصة مما يؤكد على حتمية تجديده، مما يوجب وضع صيغ جديدة لأخلاقيات البث والنشر الإعلامي تواكب روح العصر ومعطياته خاصة في مجال المستحدثات والمتغيرات الجديدة الإعلامية والمعلوماتية والتكنولوجية، وأن يراعى في هذه الصيغ وجود نصوص واضحة تؤكد عنصر الالتزام بالأخلاقيات المهنية ومبادئها الأساسية واحترام إنسانية الإنسان .