بقلم” محمد عاشور
خمسة وسبعون عاما مرت على حرب النكبة 1948 وسميت بالنكبة لأن السبب وراء ذلك يعود إلى التهجير الجماعي والهزيمة التي أصابت الجيوش العربية بعد الحرب مع جيش الاحتلال الصهيوني على الأراضي الفلسطينية، فإنّ نتائج نكبة فلسطين 1948 كانت قاسية على الشعب الفلسطيني خصوصًا والوطن العربي عمومًا، وأدّت إلى تهجير عدد كبير من المواطنين الفلسطينيين إلي دول المجاورة والشتات.
وها هوا الكيان الغاصب للأرض العربية يستكمل ما بدأه من قتل وتهجير للفلسطينيين وذلك بمساعدة حلفائه الأمريكان والدول الغربية، وتعود جذور مخطط تهجير الفلسطينين من غزة إلي سيناء إلي عقود مضت وتم طرح الفكرة على الجانب المصري في عديد المرات حيث صرح الرئيس الراحل حسني مبارك أن الفكرة عرضت عليه وتم أغراء الجانب المصري بالمال وتسديد ديون مصر لدى البنك الدولي وعديد الاغراءات الأخرى التي رفضها الجانب المصري رفضا باتا واعتبرها تدخلا في السيادة المصرية على أراضيها وقال ان سيناء جزء لايتجزء من الأراضي المصرية ولا أحد يستطيع التفريط فيها، الأمر الذي أكده الرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي خلال لقاء مع المستشار الألماني أولاف شولتز في القاهرة الأربعاء الفارط حيث صرح إن بلاده ترفض “تصفية” القضية الفلسطينية، و”تهجير” فلسطينيي قطاع غزة إلى سيناء، مشيرا إلى أن تهجير الفلسطينيين من غزة لمصر، سيتبعه تهجيرهم -أيضا- من الضفة الغربية إلى الأردن وأضاف أن “ما يحدث في غزة الآن ليس عملا ضد حركة حماس، وإنما محاولة لدفع المدنيين إلى اللجوء والهجرة إلى مصر”، مؤكدا أن تصفية القضية الفلسطينية أمر “في غاية الخطورة” وتابع قائلا، “إذا كانت هناك فكرة للتهجير، فلِمَ لا يُنقل الفلسطينيون إلى النقب”، منبها إلى أن بلاده ترفض أن تتحول سيناء إلى “قاعدة لانطلاق العمليات الإرهابية ضد إسرائيل”، وفق تعبيره وأكد أن ملايين المصريين مستعدون للمظاهرات، رفضا لفكرة تهجير الفلسطينيين من غزة.
وتأتي هذه الأحداث بعد أن بادرت حركات المقاومة الفلسطينية وعلى رأسها كتائب عز الدين القسام الجناح العسكري لحركة حماس بعملية مباغتة يوم السبت 7 من أكتوبر 2023 وأسمتها “طوفان الأقصى” بدأت العملية بإطلاق آلاف الصواريخ وشملت هجوما بريا وبحريا وجويا وهاجم المقاومون معسكرات ومستوطنات غلاف غزة، وخلف الهجوم آلاف القتلى والجرحى من الجنود والمستوطنين، وأسر المئات منهم وتأتي هذه العملية ردا على مخطط العدو بحسب تصريحات قادة المقاومة بأن قادة الاحتلال كانو يعدون خطة لهدم المسجد الأقصى من خلال إقامة صلوات تلموذية فيه وبناء الهيكل المزعوم وأعداد خطة لاغتيال قادة المقاومة في غزة والقيام بضربة استباقية لقطاع غزة.
وتأتي هذه في الأحداث في ظل استمرار اقتحام الجيش الإسرائيلي للمدن والقرى والبلدات الفلسطينية في الضفة الغربية، وشن حملة اعتقالات وهدم للبيوت ومصادرة الأراضي، وبناء المستوطنات، وقيامه بممارسات استفزازية لها رمزية كبيرة جدا على غرار اقدام مجندتين اسرائيليتين على ارغام خمس سيدات فلسطينيات في الخليل على نزع ثيابهن وهو ما كان محل ادانة شديدة وتهديد من فصائل المقاومة بأنه لن يمر دون رد، ناهيك عن استمرار تردي الأوضاع الاقتصادية في قطاع غزة نتيجة الحصار المستمر منذ قرابة العقدين، والذي فاقم المشكلات المعيشية لسكان القطاع.
واستمرار تقويض دور السلطة الفلسطينية وتهميشها من طرف الحكومة الإسرائيلية وهو ما جعل تأثيرها محدودا جدا في المشهد السياسي والأمني الفلسطيني، واستمرار الاعتداءات الإسرائيلية على المقدسات الإسلامية، وتمكين المستوطنين المتطرفين من انتهاكها، وهو ما شكل عامل استفزاز كبير لقوى المقاومة التي كانت بحاجة لاستعادة الفلسطينيين الثقة فيها، وفي قدرتها على الرد على الانتهكات الإسرائيلية.
في المقابل اطلق جيش الإحتلال عملية اسماها “السيوف الحديدية”، ويواصل شن غارات مكثفة على مناطق عديدة في قطاع غزة وأدى القصف لإلاف الشهداء والجرحى أغلبهم من الأطفال والنساء.
وتعرضت المنازل والمدارس والجامعات والمستشفيات ودور العبادة ووكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينين “الأنروا” لقصف عنيف، وتم قطع الماء والكهرباء ومنع دخول شاحنات المواد الطبية والغذائية من معبر رفح المصري.
وتقع هذه المجازر المستمرة على مرأى ومسمع من العالم، بينما يتابع الاحتلال جرائمه دون أن يأبه بحقوق إنسان، ولا برأي عام عربي أو عالمي. بل يتجرأ على تقديم جدلية وقحة حول ما يسمّيه “حقَّه” في الدفاع عن النفس، وفي اتهام حماس وقوى المقاومة بـ”الإرهاب” وقتل المدنيين، وهو أمر ينافي الحقيقة بشكل قاطع.
وانتقل التوتر إلى حدود لبنان الجنوبية، حيث يتركز نشاط “حزب الله” وبدأت الاشتباكات على الحدود اللبنانية الإسرائيلية بعد استهداف حزب الله اللبناني العديد من الأجهزة التقنية والتجسس التابعة لإسرائيل بصواريخ موجهة، ما استدعى ردا أشعل أشعل الجبهة الجنوبية على طول الشريط الحدودي. ويمكن القول إن القصف الإسرائيلي يتمدد، إذ توسعت رقعته لتتعدى عمق خمسة كيلومترات من الخط الأزرق.
وتخوفت دول عدة منها الصين وروسيا وتركيا ودول غربية ومنظمات دولية مثل الأمم المتحدة ومنظمة الصحة العالمية من أتساع رقعة الصراع في منطقة الشرق الأوسط ليشمل مناطق أخرى خارج غزة في ظل تلويح إيراني بالتدخل وما يترتب على ذلك من تداعيات إقليمية دولية.