full screen background image
   الأحد 5 مايو 2024
ر

  تونس: قوانين بالية “تعاقب” المراة العاملة على اداء دورها البيولوجي!!

تعتبر عطلة الأمومة حقا من حقوق المرأة لحماية صحتها وصحة طفلها، وتعتبر تجربة الامومة تجربة استثنائية في حياة كل امراة لذلك يجب أن تتمتع المرأة العاملة التي ستعيش هذه التجربة بصفة خاصة بحماية قانونية من افضل ما يكون تعزيزا لحقوق الانسان وحماية لتوازن الاسرة والمجتمع ككل.

وقد دعا المجتمع المدني وعدد من المنظمات الوطنية ببلادنا الى ضرورة تدعيم حقوق المراة في هذا الاتجاه لكن دون تسجيل نتائج ملموسة لحد الان. وقد عاد موضوع رفع مدّة عطلة الأمومة في تونس ليطفو على السطح من جديد بعد ان قررت منظمة ”صحفيون من أجل حقوق الإنسان”، ضمن مشروعها “عالم كندا: صوت للنساء والفتيات”، الذي يرمي الى  تعزيز حقوق الإنسان للنساء والفتيات، الاشتغال على الموضوع والدفع نحو إعادة مناقشة رفع مدّة عطلة الأمومة في تونس وذلك في إطار منح النساء العاملات العمل اللائق الذي يحمي صحتهن النفسية والجسدية وحماية للمصلحة الفضلى للاطفال .

فلماذا يعتبر القانون التونسي في هذا الجانب في عزلة عن الواقع المعيش؟

وماهي ايجابيات التمديد في عطلة الامومة و هل من تجارب مقارنة يمكن الاقتداء بها؟

عطلة الأمومة هي فترة من الإجازة يتمّ منحها للأم بعد الولادة لتمكينها من التعافي الجسدي والنفسي والاهتمام بطفلها الرضيع. وتعتبر هذه العطلة حقًا قانونيًا في العديد من الدول في العالم، وتهدف إلى توفير الدعم والراحة اللازمة للأمهات في هذه المرحلة الاستثنائية من حياتهن.

القانون الجاري به العمل

وتجدر الاشارة الى ان نص القانون التونسي  عدد 112 لسنة 1983المؤرخ في 12 ديسمبر 1983 والمتعلّق بضبط النظام الأساسي العام لأعوان الدولة والجماعات العمومية المحلية والمؤسسات العمومية ذات الصبغة الإدارية، نصّ في الفصل 48 المتعلّق بعطلة الولادة وعطلة الأمومة على ما يلي: تنتفع الموظفات بعد الإدلاء بشهادة طبية بعطلة ولادة مدتها شهران مع استحقاق كامل المرتب ويمكن الجمع بين هذه العطلة وعطلة الاستراحة.

في نهاية راحة الولادة يمكن أن تمنح الموظفات بطلب منهن عطلة أمومة لمدة لا تتجاوز أربعة أشهر مع استحقاق نصف المرتب وذلك لتمكينهن من تربية أطفالهن وتمنح هذه العطل مباشرة من طرف رئيس الإدارة.

قانون مجحفلماذا؟

هذا القانون اعتبره العديدون مجحفا في حق النساء العاملات في تونس فهو لا يكرس مبدا المساواة في العمل بين الجنسين لان المراة تحرم من الترقيات مثلا بسبب تدوين عطلة الامومة في سجلها. كما ان هذه العطلة تصنف عطلة مرضية و الحال ان الام تقدم من خلالها خدمة للمجتمع ويجب ان تجد على اثرها كل الدعم والمساندة من جميع الاطراف.

وهناك جانب اخر لا يجب اهماله وهو ان العودة المبكرة للعمل بعد الولادة يمكن ان تؤثر سلبا على صحة الام  وعلى قدرتها على تقديم الرعاية اللازمة للطفل وتعزيز الرضاعة الطبيعية الضرورية لمدة 6 اشهر للطفل على ادنى تقدير حتى يكون في صحة جيدة.

وتجدر الاشارة الى هنا الى ان كلا من منظمة الأمم المتحدة للطفولة “اليونيسيف” ومنظمة الصحة العالمية، كانت قد دعتا إلى  اعتماد الرضاعة الطبيعية  خلال الأشهر 6 الأولى من حياة الطفل، على أن يبدأ ذلك منذ الساعة الأولى بعد الولادة، مع الاستمرار في الرضاعة الطبيعية حصراً اي  دون أي طعام آخر خلال الأشهر 6 الأولى من عمر الطفل وهذا ما يعزّز نموّه الحسّي والإدراكي ويقيه من الأمراض المعدية والمزمنة.

ففي تونس تُعاني الامهات من صعوبة توفير الرضاعة الطبيعية للطفل نظرا لقصر عطلة الأمومة، وقد تشعر الام بالضغط الناجم عن غيابها عن رضيعها في فترة حساسة من حياته فتفقد في بعض الاحيان توازنها النفسي المطلوب لتقديم مسؤولياتها المهنية على نفس الوتيرة.

ويجب ان لا ننسى التميّيز في التوظيف وهو من أبرز التضيّيقات التي تواجهها المرأة  للحصول على عمل، حيث تنتدب العديد من المؤسسات و خاصة  الخاصّة منها، العازبات دون المتزوجات حفاظا على صيرورة العمل وتجنبا للغيابات.

كما تتعرض المرأة الحامل، في اغلب الاحيان للتميّيز والمضايقات من قبل  الرؤساء او زملاء العمل مما يؤثر سلبا على نفسيتها وينعكس على  صحتها ايضا في بعض الاحيان.

كل هذه الاسباب وغيرها  يمكن ان تدفع بالنساء في تونس الى الإنقطاع عن العمل للتفرغ للانجاب او للإهتمام بأطفالهن بعد مواجهة صعوبات  في الحفاظ على التوازن المطلوب  بين حياتهن المهنية والعائلية بوجود الاطفال.

مطالب بتنقيح القانون و تمديد عطلة الامومة

ومن هنا جاءت فكرة تنقيح القانون كي يتلاءم مع متطلبات الحياة  للنساء العاملات في بلادنا مما يحافظ على امتيازاتهن في العمل و يحفظ صحتهن النفسية والجسدية حيث لا تصبح تجربة شعور  الامومة عبئا على المراة  وعلى العائلة ككل .

وينصّ مقترح قانون عدد 2020/93 على ما يلي: تنقيح الفقرة الأولى: ”تنتفع الموظفات بعد الإدلاء بشهادة طبيّة بعطلة ولادة مدتها أربعة أشهر مع استحقاق كامل المُرتب ويُمكن الجمع بين العطلة وعطلة الاستراحة”

تنقيح الفقرة الثانية: ”وفي نهاية هذه العطلة يُمكن أن تمنح الموظفات بطلب منهنّ عطلة أمومة لمدّة لا تتجاوز ستة أشهر مع استحقاق نصف المُرتّب وذلك بتمكينهنّ من تربية أطفالهن وتمنح هذه العطل مباشرة من طرف رئيس الإدارة”.

صحيح ان المقترح موجود لكن تم تاجيل النظر فيه وهو لايزال لليوم يخلق جدلا واسعا رغم ايجابياته فالعديد من الدول الاجنبية مثل كندا فنلندا  والدنمارك تعطي اهمية كبرى لعطلة الامومة.

فالتمديد في عطلة الأمومة يمنح الرعاية المثلى للطفل  إذ يُتيح التمديد في هذه العطلة للامهات التعافي التام  بعد اشهر الحمل المضنية وتاهيلهن نفسيا لتحمل مسؤولياتهن الجديدة، ويساعدهن على تقديم رعاية أفضل للرضع مما يُساهم في تحقيق نمو متوازن لهم. كما يُساعد التمديد في عطلة الأمومة في التمديد في فترة الرضاعة الطبيعية للطفل ويمنح للأم والطفل معا فرصة أكبر لإقامة رابط قوي يعزز الانسجام داخل الاسرة.

كما يساعد التمديد في عطلة الأمومة  كذلك على تكوين التوازن المطلوب بين الحياة المهنية والحياة الأسرية، ويُمكّن الأم من العودة إلى العمل بعد انتهاء فترة الأمومة بحالة صحية جيدة واستعداد تام لاداء واجبها المهني على اكمل وجه.

وفي هذا السياق دعت منظمة الأمم المتحدة للطفولة إلى عدم إجبار النساء العاملات على الاختيار بين الرضاعة الطبيعية والعمل.

كما اوصت منظمة العمل الدولية الحكومات بدورها بمنح المرأة الحق في إجازة أمومة مدفوعة الأجر لمدة 18 أسبوعاً وضمان أن يتوفر لها الوقت والمكان للاستمرار في الرضاعة الطبيعية عند عودتها إلى العمل.

اما  اليونيسف فقد دعت الى اتّباع هذه التوجيهات باعتبارها الحدّ الأدنى من المتطلبات.

تجارب دولية ناجحة

على الرّغم من الإصلاحات التي قامت بها تونس وترسانة القوانين المتوفرة لضمان حقوق المراة وتحقيق طموحاتها المهنية إلاّ  انه تم التغاضي عن هذا الجانب الهام من حياة المراة العاملة .

في المقابل هناك العديد من التجارب الدولية الناجحة في ذات السياق فمثلا الدنمارك تمنح الأم بالإجمال 18 أسبوعا لإجازة الأمومة مدفوعة الأجر، منها 4 أسابيع قبل الولادة و14 أسبوعا بعد الولادة. وخلال هذه المدة يحق للأب إجازة لمدة أسبوعين متواصلين. وبعدها يسمح للوالدين بإجازة منفصلة لمدة 32 أسبوعا إضافيا.

وايضا كندا التي توظف 71 بالمائة من الامهات وهو معدل اعلى مما هو موجود في امريكا .اما اجازة الامومة في كندا فتصل الى 17 اسبوعا و35 اسبوعا اضافية يتقاسمها الوالدان بينهما. كما تدعم الحكومة توظيف الامهات واجازة الامومة وليس القطاع الخاص .وتقدم كندا علاوات شهرية للاسر لرعاية اطفالهم حتى سن 18 سنة. كما تقدم 100 دولار اضافية شهريا على كل طفل دون سن 6 سنوات.

وفي فنلندا تبدأ إجازة الأم قبل 7 أسابيع من تاريخ استحقاقها. وتمنح إجازة مدتها 16 أسبوعا مدفوعة الأجر.كما تقدم الحكومة للأب إجازة مدتها 8 أسابيع. وبعد بلوغ الطفل عامه الثالث يسمح للوالدين بإجازة رعاية جزئية حتى بداية الطفل عامه الثاني من الدراسة.

وقد خلصت دراسة حديثة إلى أن العاصمة الفنلندية هلسنكي هي أفضل مدينة لتأسيس عائلة بالعالم، وذلك بفضل إجازة الأمومة والأبوة السخية ومدفوعة الأجر التي تقدر بحوالي 1190 يوما من الإجازة المدفوعة، وفق أحدث بيانات قدمتها منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية لعام 2016، أي بمعدل 170 أسبوعا.

وقد رصدت ذات الدراسة ان هناك عشر مدن  تمنح إجازات أمومة وأبوة مدفوعة الأجر: وهي

  1. هلسنكي، فنلندا: 1190 يومًا.
  2. تالين، إستونيا: 1176 يوما.

‪مدينة براتيسلافا في الجمهورية السلوفاكية تمنح إجازة أمومة وأبوة لمدة 1148 يومًا (بيكسابي)

  1. براتيسلافا، الجمهورية السلوفاكية: 1148 يوما.

‪مدينة بودابست بالمجر في المرتبة الرابعة حيث تمنح إجازة أمومة وأبوة لمدة 1127 يوما (بيكسابي)

  1. بودابست، المجر: 1127 يوما.
  2. بوخارست، رومانيا: 887 يوما.
  3. صوفيا، بلغاريا: 790 يوما.
  4. طوكيو، اليابان: 770 يوما.
  5. أوساكا، اليابان: 770 يوما.
  6. براغ، الجمهورية التشيكية: 770 يوما.
  7. أوسلو، النرويج: 707 أيام.

لا يجب ان يكون القانون في عزلة عن المجتمع

وعليه لا يجب ان يكون القانون في عزلة عن المجتمع ولا يجب تكون تجربة الامومة عند المراة وممارستها لدورها البيولوجي بمثابة عقوبة لها وسببا للمقايضة والتنكيل بها في مكان العمل وهو ما يعتبر شكلا من اشكال العنف الاقتصادي والمعنوي كما سبق ان صرحت به الخبيرة في مجال الجندر نجاة عرعاري.

كما دعت عرعاري ايضا الى ضرورة ملاءمة القوانين للواقع في تونس ومراجعة مجلة الشغل ولما لا مجلة الاحوال الشخصية ضمانا لحقوق المراة وحفاظا على التوازن الاسري المطلوب.

عطلة الأمومة أحد الحقوق الأساسية للمرأة، ومن الأركان المهمة في التوصيات الأممية لرعاية الطفولة، ويتفاوت الاهتمام بها من دولة لأخرى، حيث إن غالبية الدول الأوروبية تقدم فترات إجازة وضع مدفوعة الأجر طويلة نسبيا، بالمقارنة مع غيرها من الدول، وتأتي الدول العربية في قائمة الدول الأقل منحنا لهذه الإجازة ومن بينها تونس.

ويشار إلى أن تدابير التوفيق بين الأسرة والعمل السائدة في كل بلد تعد انعكاسا حقيقيا لمجتمعها، وبالتالي من الضروري على العائلات والحكومات على حد السواء أن تأخذ هذا الأمر وعدة جوانب أخرى بعين الاعتبار.

ايناس المي