full screen background image
   الأربعاء 30 أكتوبر 2024
ر

قانون عدد 52 … حتی لا تلتهم الدولة شبابها

بقلم: مريم غيضاوي
اعلامية
نحن ازاء اجيال لا تشبه الا نفسها وعصرها ۔۔۔ تتكلم لغة غير اللغة وتنتهج سبلا غير تلك التي انتهجنا ۔۔ أجيال نراها متمردة لا تتكلم الا لتقول كلاما غير الكلام فاما ان تكون قادرا علی فك شفرتها والا فان الزمان قد تخطاك ۔۔ منطق الاشياء لدی هذه الاجيال يربك بداخلنا مسلمات خلناها حقاٸق ويشعل أسٸلة تبحث عن المخطٸ بيننا و ربما لا احد فينا يحتمل الخطأ ولا أحد يملك في جرابه كل الحقيقة اذا سلمنا بحتمية الاختلاف وتعدد زوايا الرٶی ۔
اختلاف طال حتی تلك القوانين التي صيغت بعناية لتنظم المسارات فصاغها المشرع حتی لا تحتمل الاجتهاد أوالتأويل لفاٸدة المصلحة العامة الا ان لشبابنا رأيا اخر اذ فيها ما يثير حفيظتهم وسخطهم وفيها ما يشعل الفتيل في مسيرة حياة اذا تعلق الامر بالقانون عدد 52 لسنة 1992 الذي ينص على عقوبة إلزامية بالسجن مدتها سنة لكل من يدان بحيازة مواد مخدرة وخمس سنوات لمن يعمد الی تكرار نفس الجريمة، وتصل الأحكام إلى 10 سنوات سجن لكل من يتعاطي المخدرات أو يروجها.
قانون عدل أم لم يعدل تختلف داٸما الاراء حوله وتتشعب سواء تعلق الامر بتطبيق القانون علی مستهلك عمد الی ارتكاب ابشع الجراٸم او مستهلك اكتفی بمغبة الاكتشاف وهو في مقتبل العمر ومطلع رحلة الحياة او بمقاعد الدراسة ۔
مفارقة علی طرفي نقيض تحمل في كل طرف جزء من الحقيقة والكثير من الاكراهات تفترض في مجملها مراجعة شاملة لهذا القانون لتتضمن عقوبات بديلة تخضع الی منطق تدرج حقيقي في العقاب ويترك هامشا من الاجتهاد والسلطة التقديرية للقضاة حيث لا مجال للافلات من العقاب ولا يصبح العقاب فرصة لتفريخ مجرم رغم أنفه ۔
ونحن في مستهل سنة تربوية تطالعنا تحديات تهم اكبر شريحة في مجتمعنا تستوجب تحرك فعلي من الدولة و المجتمع المدني على نحو فاعل في مكافحة مشكلة المخدرات من خلال تنفيذ خطة تعبئة وطنية لمكافحة الإدمان أساسها إنشاء بدائل للعقوبات السجنية والتسريع في معالجة القضايا ودعم مراكز العلاج وتشديد مراقبة الحدود وملاحقة بارونات الترويج ودعم الممارسات الدولية المتعلقة بالمهنية والمساءلة والشفافية ۔
سنة تربوية تستقبلها بعض الاسر بكثير من الوجع ويتوق بعض الشبان داخل اسوار السجن الی الحرية والعلم والابداع وهي بارقة امل بثتها مٶسسة الرٸاسة بمناسبة العودة الجامعية والمدرسية،وأصدار أوامر تقضي بتمتيع 1621 محكوما عليهم بالعفو الخاص يؤدّي إلى سراح 293 سجينا يفترض ان تشمل أساسا الشباب التلمذي والطلابي والمبدع ۔
فكم من احلام شباب قبرت وكم من مسيرة علم بترت وكم من أبواب ابداع اوصدت وكم من أسر وصمت علی خلفية تطبيق هذا القانون الذي أصبحت مراجعته ضرورية وحتمية مراعاة للمصلحة العامة التي تفترض ان القوانين قد جعلت لاجل الردع والبناء لا بغاية ضخ دماء مسمومة في خلايا لها من الفرص ما يكفي حتی تتعافی ۔
وفيما تتسارع التحولات الوطنية والدولية علی حد السواء وتطفو سلوكيات علی السطح تحتاج تنسيقا محكما بين هياكل الدولة من جهة والمجتمع الدولي من جهة أخری ،تتعمق الهوة بين الدولة وشبابها لغياب استراتيجيات فعلية اذ لا أحد يملك بوح الشباب ولا أحد يقدر علی فك شفرة صمته قبل كلامه أكثر ممن باشر عمله معهم ولا أحد يستوطنه وجع الشباب ويتبنی احلامهم المٶجلة كرها ويستوعب جنونهم وشطحاتهم الفكرية اكثر ممن خبرهم عن قرب ۔
حيث ان قوانين تهم الشباب لا تصاغ في غرف معزولة بعيدا عن أصحاب الخبرة والشأن والاستٸناس بتجاربهم ورٶيتهم ۔۔ صياغة علی جسامتها لا تفترض خلفية قانونية فحسب بل تفترض أساسا خلفية تربوية اجتماعية ونفسية جعلتك تمشي اميالا وانت تحمل ثقل أسرارهم وتفاصيل حياتهم وعليك ان تتماهی معهم لتعلم تفاصيل أوجاعهم وتغفر زلاتهم الكبيرة وتوبخهم عن تلك التفاصيل الصغيرة حتی تكون أمنهم ومأمنهم وتكون لحظة البوح بما فيها من اعترافات تثقل كاهل المستمع اذ لم تعد تلك الاوجاع اوجاعه وانما اصبحت القضية قضيتك وحين يختلط القانوني بالانساني، تقام جلسات حوار مجتمعية جدية حيث لا حدود ولا خوف وتتعری الحقاٸق وتتغير المفاهيم فما نصطلح عليه بقانون رادع يصبح قانون انتقاميا وما ننتفض له كمفهوم حب الوطن يثير حفيظتهم باتجاه الهجرة غير النظامية لضمان مستقبل غير المستقبل وحياة كالحياة ۔
حقاٸق تدعو في مجملها الی مراجعة قوانين وسن اخری و بحث استراتيجيات جدية للاستثمار في العنصر البشري سيما شبابنا ۔۔۔توجه يفترض بتونس الجديدة ان تنتهجه باعتباره لم يعد ترفا وانما ضرورة لبناء مصالحة بين الشاب ووطنه ولتحيين بعض القوانين لتتجانس مع دستور 25 جويلية 2022 وتوجهات الدولة ۔
يذكر أنّ 9% من التلاميذ بالمدارس الابتدائية والثانوية يتعاطون المخدرات من العدد الإجمالي للتلاميذ البالغ 2.314 مليون سنة 2022.