full screen background image
   الأربعاء 24 أبريل 2024
ر

جوليانو دي ميدتشي: مناصر الفن الذي قتلته السياسة

بقلم: لمياء الفالح
خلال فترات الحروب في تواريخ متفرقة وأماكن متنوعة عادة ما يموت الجنود والفقراء مضحين بأنفسهم رضا للطبقة البرجوازية أو ما يُسمى في عصرنا الحالي ببارونات الفساد. لكن الأحداث أيضا توثّق حالات استثنائية لأشخاص دفعوا حياتهم ضريبة لا لشيء، سوى لأنهم ينحدرون من سلالة ملكية أو أصول أرستقراطية. الأسماء لا تحصى ولا تعد. أنستازيا ابنة نيكولا الثاني ملك روسيا التي اختفت بطريقة غامضة رفقة على يد البلاشفة ولا يزال مصيرها غير معروف إلى اليوم.
لويس السابع عشر وريث الكرسي الملكي الفرنسي الذي أعدم بالمقصلة وهو لايزال طفلا لم يبلغ الثالثة عشرة من عمره إبان الثورة الفرنسية كي لا يكبر ويطالب بحقه في الملك. ماري ملكة اسكتلندا التي سجنتها قريبتها إليزابيث الأولى بعد توليها عرش انجلترا ثم قطعت رأسها لأنها خافت أن تسلبها عرشها.
ولعل أقلّ هؤلاء حظا كان جوليانو دي ميدتشي الإبن الثاني لأرقى وأغنى عائلات جمهورية فلورنسا خلال عصر النهضة.
الشاب الذي عاش في ظل أخيه الكبير لورنزو ولم يهتم يوما بالسياسة لكن السياسة قتلته وجعلت منه ضحيّة لمؤامرة آلـ باتزي الإنقلابية على العائلة الحاكمة. شاب ودود في مقتبل العمر عرف بلطفه وتواضعه عاصر الرسام ليوناردو دافنشي وغيره من الرسامين والنحاتين الذي خلّدوا إسمهم في التاريخ. كان محبّا للمسرح ومناصرا للإبداع والفنون…جلّ أصدقائه كانوا من عامة النّاس البسطاء إذ لم يكن جوليانو يهتم ببناء علاقات جيّدة مع أفراد الطبقة البرجوازية. ولعه بالمسرح دفعه بين الحين والآخر إلى تمثيل أدوار رفقة الفرق التي تعرض مسرحيّاتها في شوارع فلورنسا.
ونفوره من السياسة والحسابات المصرفية جعل أخاه الأكبر يتصدر المشهد ويخط إسمه كحاكم فعلي لجمهورية فلورنسا ومدير لمصرف آل ميدتشي الشهير. بينما ظل جوليانو قابعا في الظل يمارس هواياته بكل حب ويعيش حياته بتلقائية غير مبال بالأموال والمناصب والصورة الإجتماعية للعائلة.
قتل جوليانو دي ميدتشي طعنا صبيحة احتفالية عيد القدّاس بكاتدرائية فلورنسا سنة 1478 على يد عائلة باتزي التي حاولت الانقلاب على عائلة ميدتشي والإستلاء على الحكم بدعم سري من بابا الفاتيكان لتنتهي بذلك حياة مناصر الفن الذي قتلته السياسة. في حين نجا أخاه لورنزو من الحادثة وفرّ هاربا ليعود بعدها ويسترجع حكمه.