full screen background image
   الأحد 6 أكتوبر 2024
ر

البروليتاريا الكادحة التي تتنكّر لشيوعيّتها

 

بقلم:لمياء الفالح

حين تتجوّل في أحياء تونس المهمّشة الفقيرة وتتأمّل بعمق التّجاعيد على وجوه الكهول المرهقين من ساعات العمل الطّويلة المضنية لأجل توفير لقمة العيش حدّثوا هؤلاء عن مفاهيم المواطنة…
حين تندثر الطبقة الوسطى ويرتفع خطّ الفقر في كلّ الجهات المنسيّة وتتحوّل لافتات الخضر واللّحوم إلى كابوس يلاحق سكّانها، ويبقى الجامعيّ عاطلا عن العمل سنواتٍ طِوال، ويتقاعد الموظّف في سنّ الثّانية والسّتين حدّثوهم عن مواطنين ينتمون إلى وطن يشعرون نحوه بالولاء…وحين تُغتال الطّفولة فينا ويموت الرّضع بجرعة لُقاح فاسد حدّثوهم عن الانجازات والوعود التي ظلت حبرا على الورق وكانت أسباب قطيعة بين تونس وفئة عريضة من التونسيين.

أجدني أستحضر في ذهني مشاهد لرعيّة الممالك الأوروبيّة في القرون الوسطى، أناس برتبة العبيد يعملون ساعات طويلة في مزارع الدّون والدّوق والكونت.
يجمعون العنب، يعصرونه ويحوّلونه لأجود أنواع الخمور. لكنّهم بالمقابل لا يأكلونه حبّا ولا يتذّقونه خمرا وإلا سيعاقبون ! الويل لهم إن فعلوا هذا خلسة وكُشف أمرهم.
الفقراء ينتجون المحاصيل الزراعية والنبلاء ينفردون بالمداخيل وفوائضها. وحين يموت الرّاعي، ينصّب آخر تحت شعار “مات الملك…عاش الملك”.
هي استمرارية لا بُدّ منها، ربّما تهم الحاشية وحدها. أما الرّعية فيواصلون عملهم من أجل الطّعام وسدّ رمق الجوع لا غير.

لا أدري لماذا كلما تذكرتهم قفزت إلى ذهني صورة بائع متجول على هيئة طفل مشرّد قرأتها في أحد نصوص محمود تيمور يركض في الشارع الطويل بملابسه الرثة، بل أبعد من ذلك. إنّه يبيع حلمه للمارة وينادي ملأ صوته “يا أحلى من الشهد يا نبّوت الخفير” والحالُ أنه لم يتذوّق حلوى نبوت الخفير من الأساس.

غالبيّة التونسيين بروليتاريا كادحة تتنكّر لشيوعيتها