بقلم: اسكندر نوار
تعيش كل مدينة تعليمية في ربوع الجمهورية التونسية على وقع خليط واسع من الذكريات والأحداث، ومع تغير الزمن وتطور الحياة تظل تلك الأحداث خالدة في نسائم ساحاتها، في هذا السياق توجهت جريدة ” تيماء” خلال هذا الصباح إلى كلية الأداب بمنوبة، أين يتوقف التاريخ لحظة على أطلال تفاصيل عدة.
الراوي السعيد وصاحب القلم يزور المدينة، ويروي تفاصيل ما شهدت عيناه وما سمعت أذناه وفيما يلي عالم منوبة الأدبي والفني:
في وجهة صباحية الى كلية الاداب تجاذبتني تفاصيل السور و الجدران لتنعكس بذلك التجاذب صورة غريبة تشاكه في مضمونها مدينة بغداد.. رياح روائية ومضامين ادبية بلغات متعددة، بعيدا عن هذا وذاك انبهرت في تلك اللحظات بما أنا متوجه اليه.
تشير الساعة إلى العاشرة صباحا، توقفت خلسة على أبواب المدينة وكانت درجات الحرارة في أعلى ارتفاعها،عجزت في تلك اللحظات عن التنفس جراء الحر، وما ان دخلت فضاء المدينة، وجدت أن المناخ تبدل بسرعة عجيبة، انبهرت بتلك المشاهد الخضراء الخلابة التي تؤثثها الاجتماعات اليومية بين الطلاب الذي يتخذون الأرض بساطا للأحاديث الرويات.
توجهت إلى الأمام والهواء البارد يغرب الحرارة عن جسدي ذات اليمين وذات الشمال، اعترضتني أمامي مشكاة والأنوار وارتسمت الصورة في ذهني في قوله تعالى “المشكاة في زجاجة والزجاجة كانها كوكب ذري يوقد من شجرة مباركة”، هكذا كانت مشكاة الأنوار في ربوع الكلية، جهاز ينشر ما يكفي من الالهام في صفوف الطلاب.
في تلك اللحظات شرعت مجددا في التبصر والوصف رفعت نظري الى المسالك الاربع التي تتوسط ساحة الكلية والتي تقودك الى حضارات متعددة من لغات وتواريخ و فنون، وتلتقي المسالك الاربع عند نقطة العلم، تواصل السير وتلاحظ سهولا تمتد على مساحات خضراء واسعة دونما اي جبال.. تزينها وجوه توافدت من اماكن واقاليم متعددة لتنهل من مشارب اللغات والحضارات والانسانيات بشكل عام.
تواصل السير كما انت لتجد رسومات الاتحاد الذي لزال يحافظ على سبل المقاومة التي اندثرت من عقل الطالب منذ انهيار النظام السابق وامتداد الكيان الصهيوني اكثر على جغرفيا فلسطين. نعم تختزل المقاومة في منظمات الاتحاد يمينا ويسارا ويظل النضال محددا على فئة واحدة او اثنين، اما الغالبية فقد توجهت الى ميدان الميديا لتعلن هناك حمالاتها بتنزيل الصور والتعليقات ووو اما الفئة الناجعة والتي لم تجد هوية لا في الاتحاد ولا في العامة توجهت الى مكتبة محمود المسعدي لتكتفي بنهل عقولها ونفوسها بما طاب من اداب ولسانيات ولغات.
تواصل السير كما شئت لتجد الملجأ الوحيد لكيانك الخاوي… مشرب الكلية اين تخلدت ذكريات الكفاح واين تخلفت عقول عن التفكير الحارق بفعل ترشف القهاوي واين دارت الحوارات وبكت القلوب على بغداد.
يؤثث المشرب هواء خالص مخلوط بروائح الكافيين والأطعمة والشطائر … تطلب قهيوة و تجلس وتبدأ رحلتك الفكرية بالتساؤلات.. من جلس هنا؟ كيف كان التفكير قبل عشر سنوات؟ كيف كانت المرأة المناضلة والمرأة التي تكافح من اجل التحول؟ كيف كان الجمال انذاك؟؟؟
تسترجع في ذلك الموضع تفاصيل عديدة على وتتساءل، أي الأماكن التي جلس فيها عبد الناصر وحبيبته في المشرب وماهي الفضاءات التي اتخذوها مجالسا لهم، أين كافح الطلاب أعوان الأمن الجامعي وكيف دافعوا عن استقلالية الكلية، كيف كانت تفاصيل المحاضرات والمحاصصات تصاغ وتلقى داخل أسوار الكلية.
تدير نظرك عن هذه الفضاءات وتتوجه إلى ساحة فلسطين أين يمكنك مشاهدة التاريخ والاطلاع على الجسد الفلسطيني الذي يتوسط الساحة، من تفاصيل درويش الوجهية ومعالم شيرين أبو عاقلة البشرية، تروي ضمأك بشعارات المقاومة وتتوجه مباشرة إلى المشرب أين تتوقف على حافة الة القهوة، تسأل ” عبدو “:
وحدة اكسبراس وباكو كمال
تتوجه مباشرة إلى احدى الطاولات المتواجدة بالمشرب، تشعل سيجارة تضيف بها حبرا من القطران والنيكوتين إلى كتباك الرئوي وتواصل التبصر في معالم وجوه الناس مستحضرا تلك الأيام، محترقا هناك كما ولى عصر النضال وجدت الانتكاسة وتحول الفضاء إلى فضاء للتدخين والمواعدة، كما صارت المقاهي فضاءات لتدخين النرجيلة بعد ان كانت فضاءات عامة لانطلاق الثورات والكفاح.