full screen background image
   الجمعة 22 نوفمبر 2024
ر

استفتاء … فدستور … وبعد؟

بقلم: مريم غيضاوي
اعلامية ومديرة دار شباب
باحت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات بالنتائج النهائية للاستفتاء ودخول دستور 25 جويلية 2022 حيز التطبيق وبذلك تدخل تونس قانونيا وتاريخيا في خيار الجمهورية الجديدة تناغما مع إرادة شعب اختار العيش بكرامة باتجاه مشروع وطني طموح لا مجال فيه للظلم أو المحسوبية وتنتهي بمقتضاه فسحة الفساد والفاسدين.
ورغم أن الفساد من أمراض المناطق «الحارة», فإنه في بلادنا يتوطن في المكاتب «المكيفة». قالها الكاتب والصحفي جلال عامر وأستعيرها في توصيف حالات الفساد والفاسدين من جهة والمبلغين عنه من جهة أخرى لأتحسس صداه في دستور 25 جويلية 2022 ومدى تفاعل مؤسسات الدولة مع تحدياته.
ففي ما تنشد تونس حالة الانعتاق وتعيش حالة مخاض تاريخي بولادة دستور جديد يجسد مطالب شعب أراد أن يقطع مع منظومات الفساد واللادولة، نجد حالة من الركون والاستكانة داخل مؤسسات الدولة فلا مشاريع مجددة ولا برامج تتماشى وجسامة المرحلة ولا تحرك ماراطوني داخل المؤسسات لتجسيد هذا النداء الشعبي.
حالة الجمود والسلبية تنسحب على معظم الوزارات ومختلف الملفات الحارقة حيث لا جديد في أروقة الوزارات والمؤسسات ولا التحام بمطالب الشعب في تتبع الجناة ما عدى الحالات الاستثنائية التي لا تعبر عن جسامة المرحلة ولا يقظة في اقتراح المشاريع وابتكار الحلول، فبينما المبلغ عن الفساد في حالة إرباك وهلع مما قد يحاك ضده من ضغائن، تجد المبلغ عنه ينعم بهدوء الواثق من الإفلات من العقاب بنفس الترسانة من القوانين التي صاغها المشرع للضرب على أيادي من تسول له نفسه العبث بالمال العام وإهداره.
وقد يوصم المبلغ عن الفساد في إداراتنا التونسية فتتشكل ضده لوبيات خفية يهاجمونه في حياته الخاصة ويعطلون مسيرته العملية بشتى العراقيل فيكون عقابه ناعما أحيانا حين يطال معاملاته اليومية في أداء عمله ساخطا أحيانا أخرى حين تحاك ضده الدسائس وتخول له نفسه الأمارة بحب تونس والمحافظة على المال العام بالوقوف أمام لوبيات الفساد والفاسدين الذين جبلوا على شتى أنواع التجاوزات دون رادع أو رقيب.
وقد ينال الفاسد حضوة الأبطال بإفلاته من العقاب، إفلات بسبب تراخي المؤسسات الرسمية في تطبيق القانون وملاحقة الفاسدين ويؤمنه له ثلة من المتمعشين من المال العام دون مواربة فيغض النظر عنه الموظف الكبير ويهابه الموظف الصغير وتحاك حوله قصص تعانق الخيال لوصف بطشه بمن تخول له نفسه أن يقول له “لا” فيكثر من حوله المتملقون والداعمون والمتمعشون من فتات الوليمة وفي كل مرة تتم ترقيته وينال كبرى المناصب كل ما أثبت جدارته في الإفلات من العقاب وتطويع القانون لصالحه هذا بعد أن فرخ من الموالين ما يكفي حيث أن “الفاسدين الجدد كثيرا ما يدعمهم فاسدون قدامى”.
حالة من التردد على مستوى المؤسسات تقابلها رحلة شاقة يطويها المبلغ عن الفساد مردها كلمة لا للفساد والفاسدين تأخذ من الكيان والروح الزاد الكثير إلا أن النفس مازال طويلا لمواصلة الطريق إيمانا بأن الدولة تتحسس طريقها نحو الخلاص ..وأن في هذا الدستور الكثير من الأمل ثقة في عدالة القانون وفي الصادقين من أبناء تونس ورغبة في ترك تونس نقية حرة قوية للأجيال القادمة.
وحيث أن الأيادي المرتعشة لا تصنع التاريخ وأن الأوطان لا تبنى بالأمل فحسب ولا بالدساتير الاستثنائية فقط وإنما بالإرادة القوية في تطبيق الدستور تناغما مع إرادة الشعب وبذلك فان أجهزة الدولة ومؤسساتها تحتاج إلى ضخ دماء جديدة يتخذون هذه المرحلة بالجدية المفترضة والاجتهاد والتجديد. مرحلة تحتاج إلى القطع مع حالة الركون التي انخرطت فيها أغلب مؤسسات الدولة وسواعد قوية مجددة مؤمنة بأن استمرارية الدولة حتمية تضمنها علوية القانون وقوة مؤسساتها وهي معادلة تستوجب تضافر جهود كل نفس حر امن أن لا مجال للتلاعب بثروة الشعب وممتلكاته وانه لا مجال لاستباحة أجهزة مؤسسات الدولة لتحقيق مآرب ومنافع خاصة.
هذا التمشي الرامي إلى بناء الدولة لا يمكن أن يصمد طويلا ما لم تعاضده قوانين قوية وجزرية تتجدد في كل مرة وتثبت مؤسسات الدولة والمؤسسات القضائية تفعيلها دون مواربة حيث أن الفساد “كالرائحة الكريهة لا يكفي أن تسد أنفك عنها بل يجب أن تتحرى عن مصدرها فتزيلها”