بقلم: نائب البرلمان الاذربيجاني
أمين لجنة العلاقات الخارجية في الحزب الحاكم
دكتوراه في العلوم السياسية
للشهر الرابع على التوالي أصبح وباء كورونا (COVID-19) قضية رئيسية على جدول الأعمال العالمي. أما القضايا الأخرى فهي في “تباطؤ استراتيجي” مؤقت. في الواقع بعد الانتهاء من مرحلة تباطؤ الوباء سيكون هناك نشاط فعّال في “القضايا العالمية الاستراتيجية”. ففي هذه الحالة ليس هناك شك في أنّ مرحلة ما بعد الفيروس ستصبح واحدة من العوامل الرئيسية التي تؤثر على تشكيل الأجندة السياسية والاقتصادية والأمنية.
عند مشاهدتنا للأحداث الجارية في المنطقة من الممكن التنبؤ بأنّه ثمة تغييرات ستتمّ في عملية حلّ النزاعات. والحقيقة الأخرى التي لا يمكن استبعادها هي ظهور حقائق جديدة تتعلق بتسوية النزاع الأرمني الأذربيجاني حول “ناغورني قاراباخ”. هذه الحقائق الجديدة، زادت من أهمية نسخة السلام والحرب في عملية حلّ النزاع إلى مستوى ربما لم يكن محسوبا من قبل. الحقائق الجديدة في فترة ما بعد الوباء سوف تحدد مدى الحاجة إلى اتخاذ خطوات حاسمة نحو السلام أو الحرب. تحقيقا لهذه الغاية، دعونا نركز على عدد من الأحداث الهامة التي لها صلة مباشرة بآفاق حل الصراع:
أولاً ، في 16 أبريل من العام الجاري كان على الرئيس السابق سيرج ساركسيان الرّدّ على التّهم الموجهة إليه خلال 5 ساعات من طرف “اللجنة البرلمانية” الخاصة والتي كانت تتحقق في الوضع الذي أدى إلى هزيمة أرمينيا في حرب أبريل 2016. رئيس اللجنة هو نائب البرلمان الارمني من الحزب الحاكم السيد أندرانيك كوتشاريان. هذه الحقيقة نفسها تلقي الضوء على العديد من القضايا. في الواقع، يعدّ الرأي العام في كلّ من أرمينيا وناغورنو كاراباخ المحتلة أن حكومة باشينيان ستكمل عمل “اللجنة البرلمانية” في يونيو من هذا العام وترسل سيرج سارجسيان إلى السجن برفقة روبرت كوتشاريان.
وهكذا، ثانياً، تمت ترقية أريك هاروتيونيان الذي قاد “الحكومة” الانفصالية لمدة 11 عاما واستقال بعد “الثورة” في أرمينيا والذي يعرف بإخلاصه ووفائه لنيكول باشينيان، تمّت ترقيته إلى مرتبة الفائز فيما يسمى “بالانتخابات الرئاسية” في “ناغورنو قاراباخ”. ففي 19 أبريل استقبله رئيس الوزراء نيكول باشينيان في يريفان وهنّأه مع العلم أنه ما من دولة في العالم ولا حتى أرمينيا، اعترفت بنتائج هذه “الانتخابات” المزعومة.
ثالثًا، في 21 أبريل من العام الجاري، ألقى وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف كلمة قبل الاجتماع المرئي بين وزيري الخارجية الأذربيجاني والأرمني بمشاركة الرؤساء المشاركين لمجموعة مينسك لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا أكّد خلالها أنه تتم حاليا مناقشة الوثائق التي تحتوي على حل تدريجي لنزاع ناغورني قاراباخ على طاولة المفاوضات، وسيكون التوقيع على هذه الوثائق خطوة مهمة في تنفيذ قرارات مجلس الأمن المعروفة.
وأثار بيان وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف ادعاءات خطيرة ضد حكومة باشينيان في أرمينيا، بما في ذلك الدعوات إلى استقالة وزير الخارجية زهراب مناتساكانيان. و وفقًا للمعارضين المحليين، فإن تصريحات لافروف لا تعكس الحقيقة وهي معلومات خاطئة، مما يعني أن العلاقات الأرمينية الروسية في أسوء حال، وتقع المسؤولية في المقام الأول على الإجراءات غير المكتملة للحكومة الأرمنية. بل إذا كانت الآراء المعبر عنها تعكس الحقيقة، فهي بالفعل فشل للمصالح الوطنية ومصالح الدولة في أرمينيا. وبعبارة أخرى، يمكن اعتبار الاتهام الصريح لرئيس الوزراء نيكول باشينيان بخيانة المصالح الوطنية لأرمينيا مؤشراً على أن الوضع في البلاد معقد للغاية.
رابعاً ، أدى موقف وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف بشأن تسوية النزاع وتصلب الرأي العام في أرمينيا إلى اتباع السلوك الراديكالي. وذكر زهراب مناتساكانيان أنه في عاميْ 2014 و 2016 فقط كان الحل خطوة بخطوة موضوع مفاوضات، لكنه لم يتم قبوله لأنه لا يرضي مصالح الجانب الأرمني وحاليا لا يتوجد أي وثائق قيد المفاوضات وتتم مناقشة العناصر الفردية فقط. وقد ذكر أن أرمينيا لن تقدم أي تنازلات من جانب واحد، ولا يمكن اتخاذ أي قرار دون موافقة “شعب قاراباخ”. وبالتالي يمكن اعتبار هذا الموقف غير المسؤول لزهراب مناتساكانيان بمثابة ضربة لعملية التفاوض الهشة بالفعل بشأن تسوية الصراع.
من الواضح أن موقف القيادة الأرمنية والنظام الانفصالي بشأن تسوية النزاع يتميز بالبلاغة العسكرية المتزايدة خلال فترة الفيروس. مما يجعلنا نتساءل: ماهي الآفاق التي وعد بها عصر ما بعد الفيروس لحل النزاع في الواقع ؟
و بناء على التحليل أعلاه، يمكننا القول إن خيار السلام هو أول خيار راجح لحد الان. العامل الرئيسي وراء هذا الخيار هو الأزمة الاقتصادية العالمية الجديدة التي سببها فيروس كورونا وعواقبه الاقتصادية المدمرة لأرمينيا. بعد شهرين فقط سترون انه لا مفر من حدوث كارثة على المستوى الاقتصادي في أرمينيا. وفي مثل هذه الحالات، يمر اللوبي الأرمني، الذي يدعم أرمينيا، بأيام سيئة. بالإضافة الى ان فرص تقديم الدعم المالي لمواطنيهم غير واقعية، خاصة وأن الشركات الصغيرة ومتوسطة الحجم من أصل أرمني في روسيا تمر بحالة “ارتباك”. وفي كل الحالات، تحت التأثير المباشر لوباء الفيروس ستكون قدرة أرمينيا على تلقي الدعم المالي بشكل متكرر من الخارج محدودة.
إذا فات الأوان يبدو أنّ النسخة الثانية من الخيار سوف تكون الحرب. ولا يستبعد أن يلجأ الجانب الأرمني إلى هذا الخيار في حالة حدوث أزمة اقتصادية يائسة ناجمة عن وباء الفيروس. بمعنى آخر يدرك نيكولا باشينيان جيدًا أن الأمر ليس سوى مسألة وقت قبل هزيمة بلده من قبل الجيش الأذربيجاني في حالة شن عمليات عسكرية واسعة النطاق. على الرغم من مرور 4 سنوات على حرب نيسان / أبريل، أصبح هذا الحدث اليوم كابوسًا تطارد القيادة الأرمنية.
وعلى الرغم من كل هذا، فإن موقف الجانب الأذربيجاني من حل النزاع لن يتغير. وقد أعلن هذا الموقف مرارا وتكرارا رئيس أذربيجان إلهام علييف حيث قال إن الدولة الأذربيجانية تدعم تسوية النزاع على أساس مبادئ القانون الدولي وضمن السلامة الإقليمية لبلدنا ومن خلال منح الأرمن في ناغورنو قاراباغ أعلى مرتبة حكم ذاتي داخل حدود جمهوريتنا. وإن أي حل يتجاوز هذا الإطار غير مقبول لأذربيجان. هذا النهج لحل النزاع هو تعبير عن موقف أذربيجان المبدئي.
وبالتالي، فإن التحليل والتقييمات السياسية المذكورة أعلاه تسمح لنا باستنتاج أنه تحت تأثير COVID-19 قد تكون فترة ما بعد الوباء في أرمينيا مصحوبة بنوبات أشد وأكثر حدة. ونتيجة لذلك، يُتوقع أن تدخل أرمينيا في مأزق على مستوى غير مسبوق. ربما، مع بداية فترة ما بعد الوباء، ستندلع ثورة جديدة في أرمينيا، لكن هذه المرة قد لا تكون مثل سابقاتها.