full screen background image
   السبت 23 نوفمبر 2024
ر

فارس آخر يترجل.. الفنان فتحي الأينوبلي في ذمة الله..

بقلم : رياض بوسليمي

كم هي قاسية هذه الحياة ، وكم هو صادم هذا الموت المفاجئ عندما يطل علينا بين فواصل الغيمات فيخطف منا دون سابق إنذار رجال كانوا بيننا قبل لحظات ،أناس كنا نعد معهم خطى الأيام المتعثرة ونتقاسم معهم طرقات المدينة المقعرة وأنهجها التي لا تتسع لأحلامنا الخجولة، وكم هي مربكة هذه الذاكرة وهي تنكر بشدة قبول حدث الرحيل ..فتعيش الوجع كما لم تعشه من قبل وتعلق كل الأمنيات على ستائر المساء المحترقة..

صديقي فتحي ها إنك ترحل دون أن تودعنا وأنت الذي تلقاني باسما فتعيد لي ذاك السؤال ” شنوا أحوال الثقافة” و”واش ثمة جديد” ..وكم تحدثنا وأنهج المدينة شاهدة على لغطنا الطويل ..وكم كنت تذكرني فتحرجني عندما تقترح دعوتك للمشاركة في تنشيط التظاهرات الثقافية ..وأنت من أنت فنا وإبداعا..

صديقي الفنان المبدع الكبير، ها إنك رحلت باكرا ولم تكمل تأليف ترنيمة الحلم الأخير..لكم هي بائسة هذه المدينة ، يموت فيها الحمام باكرا قبل أن يغرد ويكبر ريشه ويستخير البقاء على أشجار الصنوبر المتآكلة..

حتما سيبكيك “البيانو” و”الأرق” فتلك الآلات الصادحة بالأحاسيس كانت أقرب إليك منا جميعا، كنت تخبرها بكل ما يجول بخاطرك، تبوح لها بظلم المدينة لأبنائها، بعبث الحياة فيها، بانسداد أفق البقاء ..وسيبكيك الأطفال الذين زرعت في روحهم البريئة سعادة الموسيقى ..

قبل موتك بمدة ليست طويلة كنت شغوفا بالتصوير المباشر لرحلاتك إلى العاصمة أو لوجودك هنا وهناك في المدينة.. جندوبة..

هذه المدينة التي أثبت دائما وفي كل المناسبات أنك تنتمي إليها وأنّها تسكنك حتى النخاع، فالتحمت بخيمة “جندوبة تريد تنمية حقيقية ” وعزفت في الليل والنهار لتؤكد على وحدة المصير وأن “على هذه الأرض ما يستحق الحياة ” بالرغم من كل الغيمات التي يغلق عنا كل الطرق وتحول وجهتنا.. نحو السراب ..!

رحمك الله صديقي فتوح ..