تمتلك البلاد التونسية مجموعة فنية من الفسيفساء ذات شهرة عالمية ما انفكّت تنمّيها وتعزّزها اكتشافات جديدة. وقد اعتبر المتخصّصون في هذا الميدان مجموعة شمال افريقيا وخاصة منه ما صدر عن ورشات مقاطعتي Proconsularis و Byzacium ما يعادل مساحة البلاد التونسية اليوم من أغنى ما أنتجته المقاطعات الرومانية القديمة وأروعه، إلا أنّ دراسة هذا الفن لم تستقطب اهتمام المؤرخين والمتخصّصين في علم الآثار إلا في العقود الأخيرة. ولعل التئام المؤتمر الأوّل للفسيفساء الإغريقية الرومانية بباريس سنة 1963 هو الذي كان له الفضل في إظهار مقوّمات العمل الفسيفسائي، النوعيّة التي لها ارتقى بعد ذلك إلى مستوى فنّ مستقلّ استرعت مظاهره المختلفة اهتمام الباحثين في العالم.
وقد أبرزت الدراسات الحديثة بعض ملامح المدرسة الافريقية للفسيفساء التي تميزت – وهذا باتفاق المتخصّصين – على بقية المدارس الإقليمية الأخرى، بوفرة إنتاجها وخصوبة ابتكاراتها وطرافتها وبجودة عملها التقني، كما مكّنتنا من معرفة الخطوط الكبرى لتطوّر فنّ الفسيفساء ببلادنا، هذا الفنّ الجميل الذي استمرّ استخدامه أربعة عشر قرنا. فبعد الفترة القرطاجية التي عرفت فيها “المفارش البونية” رواجا منقطع النظير، نجد صداه في بعض النصوص الرومانية تلت حقبة فراغ وركود في جميع الميادين إثر الحرب البونية الثالثة تواصلت إلى أن أعيد بناء قرطاج في أيام حكم الإمبراطور أوغسطوس، ثمّ استرجعت مقاطعة إفريقية ازدهارها الاقتصادي شيئا فشيئا في القرن الأوّل والنصف الأوّل من القرن الثاني الميلادي فنشطت بذلك الحركة المعمارية وظهرت مصانع الفسيفساء بعدة مدن كقرطاج وأوتيكا وأكولا (قرب صفاقس والجم وغيرها. وقد تميّز إنتاج هذه الفترة بالتأثير الإيطالي الذي نتبينه من نوعية التركيبات الهندسية وكيفية خطها بمكعبات سوداء داخل أرضية بيضاء والذي تزامن انتشاره مع دخول عناصر شرقية تلوح في طرق موضوعات ميثولوجية كالتي ترتبط بديونيزوس إله الخمر عند الإغريق أو تصوير الحياة اليومية على ضفاف النيل أو مشاهد الطبيعة الميتة .
ثمّ تخلّص الفنانون الأفارقة في الحقبة الموالية التي تبدأ في النصف الثاني من القرن الثاني الميلادي من هذا التأثير البسيط لكن الأنيق رغم أنه خُطّ باللونين الأبيض والأسود فقط وكوّنوا مدرستهم التي سرعان ما تميزت بعدة خاصيات، منها تعدد الألوان وإغناء “سجلّ النماذج” بابتكار تركيبات هندسية وخاصة بتطوير الأسلوب الزخرفي النباتي الذي أبدعت فيه المدرسة الافريقية فقلدتها نظيراتها بالمقاطعات الأخرى. أمّا الرسوم التمثيلية فإنها لم تكن وفيرة الإنتاج في هذه الفترة باستثناء ما صنع بمدن مقاطعة المزاق (وسط البلاد وجنوبها) حيث تجذرت التقاليد الفنية الهلينية الشرقية بتزدروس الجم وأكولا وطينا… وقد مكّنتنا الاكتشافات الحديثة من التعرف إلى خاصيات منطقة داخلية لهذه المقاطعة تتحدّد حول كبصا القديمة قفصة
احتفاء بهذا الرصيد الهائل من الفسيفساء ببلادنا و انفتاح العلامات و الرموز على شمال و شرق المتوسط ينظم المركز الثقافي الدولي بالحمامات اللقاء الدولي الخاص بصناعة الفسيفساء كأثر فني استخدمه مجموعة من الفنانين في شمال و جنوب المتوسط كقوة تعبير في أعمالهم الفنية التي تعرض بداية من 26 فيفري و الى غاية 8 مارس 2029 برواق الفنون بدار سيبستيان .