ايناس المي
مشهد سياسي ضبابي و تضييقات على الحريات هذا هو الحال في تونس قبل الانتخابات التشريعية المرتقبة . فهذه المرة نلمس عزوفا واضحا من الأحزاب في المشاركة تزامن مع سن قانون انتخابي جديد كان في مرمى النار لعدد من الحقوقيين و المنظمات النسوية و المراقبين للشأن العام اجمالا ، بعد ان حد القانون المذكور من حظوظ المرأة في الحصول على مقعد تحت قبة البرلمان . هذا ما اعتبره الكثيرون تراجعا عما حققته المرأة التونسية من مكاسب في الوصول الى مواقع القرار في الدولة .
كان البرلمان التونسي نموذجا يُحتذى به للعدالة الجندرية بالنسبة للعديد من الدول في المنطقة هذا ما يفسر المخاوف السائدة بخصوص التغييرات الحاصلة في القانون الانتخابي الجديد و مدى مساسها من هذا المكسب الهام .
*حظوظ فوز الرجال تفوق ب6 مرات حظوظ النساء
فعلى مدى الأعوام الفارطة كان حضور المرأة في البرلمان التونسي بنسبة 29% في المجلس التأسيسي عام 2011، وبنسبة 31% في مجلس نواب الشعب عام 2014، في حين كانت نسبتها في برلمان عام 2019 نحو 24%.
و خلال للانتخابات التشريعية المقررة ليوم 17 ديسمبر الجاري ، لم تتجاوز نسبة النساء المترشحات 15 ⁒ فقط من اجمالي المترشحين، مقابل 85 ⁒ من الرجال، حسب ما كشفت عنه أرقام صرحت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات.
وقد بلغ العدد الجملي للمترشحين بعد انتهاء آجال تقديم الترشحات 1427 مترشحا، يتوزعون الى 1213 رجلا مترشحا و214 امرأة مترشحة أي ما يعادل 14,99 ⁒ وهي نسبة تجعل حظوظ فوز الرجال بمقعد في المجلس النيابي القادم تفوق بحوالي 6 مرات حظوظ النساء.
وتشير هذه الأرقام إلى أنه من المنتظر أن يبرز عن الانتخابات التشريعية القادمة مجلس نيابي “ذكوري بامتياز”، رغم أن هذه الحظوظ تتغير بتغير الدوائر الانتخابية، باعتبار ان بعض الدوائر لم تشهد ترشح نساء في حين سجلت دوائر اخرى ترشح أكثر من امرأة.
*الجربي : المرسوم 55 يكرس للعنف السياسي
و قد علّقت رئيسة الاتّحاد الوطني للمرأة راضية الجربي على نسبة ترشح النساء للبرلمان القادم، بأنها ليست متفاجئة من هذه النسبة الهزيلة لأن نظام الاقتراع على الأفراد لا يضمن التناصف إضافة إلى ان طلب التزكيات في ظل عقلية لا ترى في النساء قدرة على العمل السياسي لا يمكن إلا أن تنتج هذه النسبة. واعتبرت الجربي أن تخوفات اتحاد المرأة وهواجسه كانت في محلها رغم اقتراحه تلافي هذه الانتكاسة لمكتسبات النساء عبر تنقيح القانون لكن لا تجاوب من السلطة التنفيذية .
ورجّحت رئيسة الاتحاد الوطني للمرأة التونسية أن يكون الاقتراع لفائدة العنصر النسائي ضعيفا في المحطة الانتخابية القادمة ” ما سيفرز برلمانا ذكوريا” وأن تكون تمثيلية المرأة في البرلمان المقبل “ضعيفة جدا”، لا تتجاوز12 ⁒ .
واعتبرت الجربي أن المرسوم عدد 55 لسنة 2022 المؤرّخ في 15 سبتمبر 2022 والمتعلّق بتنقيح القانون الأساسي عدد 16 لسنة 2014 المؤرّخ في 26 ماي 2014 المتعلّق بالانتخابات والاستفتاء وإتمامه، يكرّس العنف السياسي ويفتح المجال أمام عدم تكريس مبدإ المساواة وتحقيق التناصف خلافا لما جاء في دستور 2022.
كما لاحظت أن العنف السياسي ضد المرأة هو امتداد لظاهرة العنف حيالها في جميع أشكاله، والذي تشير الاحصائيات الرسمية ومكونات المجتمع المدني إلى استفحاله، ينضاف إليه اطار قانوني (المرسوم 55) “كمكرس للعنف السياسي”.
وبيّنت أن القانون الانتخابي مثّل خطوة إلى الوراء في ما يتعلّق بمكاسب المرأة خاصة في المجال السياسي ويعرقل وصولها إلى مواقع القرار، كما أنه لم يراع الوضعية الهشة للنساء والشباب وذوي الاعاقة ولم يشملهم بإجراءات تمييزية.
*القانون الانتخابي الجديد نال من مكاسبنا
و بالاستماع لعدد من المترشحات للانتخابات التشريعية القادمة فقد اجمعن على ان القانون الانتخابي الجديد قد نال من مكاسبهن و صعب عليهن مهمة الولوج للبرلمان مقارنة بالذكور فمثلا تجميع 400 تزكية من الإشكالات التي طرحها المرسوم 55 نظرا لعدم امتلاك عدد من النساء للموارد المالية الكافية للتنقل وجمع العدد اللازم من التزكيات، إلى جانب العراقيل المعنوية والعنف السياسي المسلط عليهن مع العقلية الذكورية السائدة التي تعطي للرجل الأحقية في المناصب القيادية خاصة السياسية منها .
و اكدت احدى المترشحات ان صورة البرلمان على مر العهود لم تكن ناصعة و لم ترتقي لتطلعات الشعب و بهذا القانون الانتخابي الجديد فان الشعب التونسي تنتظره خيبة جديدة بعد اقصاء العنصر النسائي و التضييق عليه.
وكانت العديد من منظمات المجتمع المدني و الجمعيات النسوية قد حذرت مما اعتبرته “نسفا لمبدأ التناصف” في الترشحات للمجلس النيابي القادم فقد أشار مرصد شاهد مثلا للمشاركة الضعيفة للمرأة في الانتخابات التشريعية لسنة 2022 محذرا من خطورة تقليص الفرص الممنوحة للمرأة للوصول الى مراكز القرار وعدم تكافؤ الفرص بينها وبين المترشحين من الرجال من خلال المرسوم 55.
من جانبها اكدت جمعية النساء الديمقراطيات ان إعتماد مبدأ التناصف في الترشح في الانتخابات السابقة كان أحد أبرز المكاسب التي حصلت عليها النساء في تونس في اتّجاه التجسيم العملي للمساواة ولتكافؤ الفرص بين الجنسين.
و دعت في مناسبات عديدة الى مراجعة القانون الانتخابي، واعتبرت انه من الضروري “إعتماد نظام اقتراع زوجي في جميع الاستحقاقات الانتخابية القادمة بما في ذلك مجلس الجهات والأقاليم والمجالس البلدية، بما يضمن احترام مبدأ التناصف في الترشح تحقيقا لمشاركة فعلية للنساء وولوجهن إلى مواقع اتخاذ القرار”.
*هنات القانون الانتخابي الجديد
فرض قانون الانتخابات لسنة 2014 في تونس أن تتضمن قوائم المرشحين أعدادا متساوية من الاناث والذكور و أدى ذلك إلى انتخاب 68 امرأة في البرلمان في 2014، مثّلن 31٪ من “مجلس نواب الشعب”. و في ذلك العام، كان لدى تونس أعلى تمثيل نسائي في البرلمان مقارنة بالدول الأخرى في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
اما في سنة 2017، فقد ألزم تعديل في قانون الانتخابات الأحزاب بضمان أن تكون نصف قوائم مرشحيها من النساء في الانتخابات المحلية و أدى ذلك إلى تشكيل 47 ٪ من المجالس البلدية من النساء بعد انتخابات 2018. اما القانون الانتخابي الجديد فيحل محل نظام التمثيل النسبي السابق بنظام دائرة انتخابية من عضو واحد دون توفير أحكام تهدف إلى التمثيل الجندري المتساوي.واستنادا لهذه الأرقام قد ذهب العديدون الى ان خللا تشريعيا حال دون بلوغ المرأة في تونس نسبة محترمة في الترشحات للانتخابات التشريعية لهذا العام حيث ناقض رئيس الجمهورية نفسه من خلال ما ورد في القانون الانتخابي الحالي مقارنة بالدستور خاصة أحكام الفصل الـ51 منه باعتبار أن الدستور يشدد على مبدأ التناصف. وأقر المرسوم عدد 55 المتعلق بتنقيح القانون الاساسي للانتخابات والاستفتاء عدد 16 لسنة 2014 اجراءات نصت على اعتماد نظام الاقتراع على الافراد وتغافلت عن مبدأ التناصف في الترشحات في حين اشترطتها في ما يتعلق بالتزكيات.
بموجب القانون الانتخابي الجديد، ينبغي للمرشحين المحتملين تقديم 400 توقيع ليتمكنوا من الترشح. كما لا يمكن للمرشحين تمويل حملاتهم من المال العام وعليهم الاعتماد على أموالهم الشخصية أو التمويل الخاص.
تؤدي هذه الشروط إلى اضعاف حظوظ المرأة بشكل خاص، خاصة ان مؤشر الفقر و نسبة البطالة يرتفعان في صفوف النساء فمن الطبيعي ان تكون القدرات المالية التي يتمتعن بها لا تضاهي نظرائهن الرجال مما يساهم في إقصائهن سياسيا. وقد تواتر الحديث عن إشراك صوري للنساء وتعميق التهميش السياسي لهذه الفئة الهامة و الفاعلة في القانون الانتخابي الجديد.
الكاتبة العامة لجمعية القانون الدستوري إقبال بن موسى اكدت ان عدم تشريك الجمعيات التي تعنى بالشأن الانتخابي في تونس هو ما يفسر الأخطاء البدائية الواردة في القانون الانتخابي.
وفق استطلاع رأي نشرته جريدة المغرب سنة 2020 فإن قرابة 74.4 ⁒من التونسيين لم يعبروا عن نوايا تصويتهم في التشريعيات المقبلة هذه النسبة تعززت بمقاطعة عدة أحزاب وأطراف سياسية مسار 25 جويلية. فالكل ينتظر في الداخل و الخارج التركيبة البرلمانية الجديدة بعد قلب موازين عملية الترشح .و كل المؤشرات تدل الى حد الان على ضعف نسبة المشاركة في الانتخابات التشريعية القادمة واكتساح ذكوري للبرلمان الجديد في انتظار النتائج الرسمية .
*تم الاشتغال على هذا المقال في إطار منظمة صحفيون من اجل حقوق الانسان مشروع عالم كندا صوت النساء و الفتيات