full screen background image
   السبت 23 نوفمبر 2024
ر

أساطير ارتبطت بشخصيات تاريخية ودينية حقيقية: مصاصي الدماء والمستئذبين نموذجا

 يزخر الموروث الشعبي للحضارات المتعاقبة على مر التاريخ بأساطير وخرافات كان لها بصمتها العميقة في كل تجمعات بشرية وتأثيرها الكبير في سلوكيات السكان. الملفت للانتباه أن الناس خلال تلك الحقبة ومع غياب كلي للعلوم التي تضطلع بدور تفسير الظواهر المبهمة غير المفهومة، لجأوا إلى الفولكلور الشعبي ليتكفل بمهمة التأويل فمزجوا بين الواقع والخيال وصدقوا حكايا وقصصا رائجة سمعوها على الدوام من أفواه أجدادهم جيلا بعد جيل، فرسخت في الأذهان ولم يتجرأ أحد على التشكيك في مدى مصداقيتها.

لنذهب في رحلة ذهنية إلى أوروبا خلال فترة القرون الوسطى أو ما اتفق على تسميته بعصور الظلام، تخيل معي أنك في قرية نائية تسير في طريق موحشة أثناء رحلة عودتك من العمل بأحد الحقول إلى البيت.

الظلام يخيم على المكان من كل جانب ورياح الشمال تعبث بالأشجار، سيزعجك حفيفها بكل تأكيد ويثير داخلك الريبة. في هذه اللحظة سترفع رأسك نحو السماء وترى القمر مكتملا لتزداد داخلك المخاوف والهواجس القاتلة. كلمة واحدة ستتردد في رأسك حينها وفكرة واحدة لا غير ستستبد بك وتعصف بكل كيانك “مستئذب” ! أو ربما “مصاص دماء” فالشمس قد غربت والوقت ملائم جدا لخروج المخلوقات الليلية المؤذية.

ستحث الخطى نحو أقرب مكان مأهول وأنت تتلفت فزعا يمنة ويسرة متوقعا أن يطل عليك أحد هذان المخلوقان الهلاميان في أية لحظة غير متوقعة. كلا الأسطورتان أثارتا موجة هلع كبيرة في سكان أوروبا خلال تلك الحقبة وذاع صيتهما في كل أنحاء القارة شبرا شبرا.

ما يثير الدهشة أن مصاص الدماء والمستئذب رغم امتداد جذورهما في عمق التاريخ إلا أنهما مازالا حاضران بقوة في المخيلة الشعبية لبعض مناطق أوروبا الشرقية خصوصا الريفية منها، حتى أننا في عصر الحداثة وما بعد الحداثة نجد أناسا يؤمنون بوجودهما إيمانا قطعيا.

اختلف المؤرخون والباحثون في أصل أسطورة مصاصي الدماء ومدى ارتباطها بشخصيات حقيقية، لكن المتفق عليه لدى الأغلبية أنها ترجع بالأساس لشخصيتان تاريخيتان هما فلاد دراكول أمير ترانسلفانيا الملقب بالمخوزق وقريبته الكونتيسة إليزابيث باثوري حيث عرف عن كليهما عشقهما للدماء البشرية وتوحشهما.

كما كان فلاد دراكول نفس الشخصية التي ألهمت الكاتب برام ستوكر ليؤلف أيقونة الرعب القوطي الشهيرة “دراكولا” وكانت هي بدورها السبب المباشر لدخول شخصية “مصاص الدماء” الى عالم السنيما من أوسع أبوابه.

سنحط الرحال هذه المرة في رومانيا لنخوض في مدى ارتباط الأسطورة بأحداث قد تكون واقعية.

سنتحدث تحديدا عن أسطورة ألكسندر كورفينيس أول بشري خالد في التاريخ وعن أبناءه الثلاثة، أحدهم عضه خفاش فتحول لمصاص دماء وآخر عضه الذئب فأصبح مستئذبا أما الثالث فقد حكم عليه أن يمضي وحيدا في طريق الفناء…ألا تحمل هذه الأسطورة بالذات وجه شبه بقصة أخرى موجودة في الكتب الدينية السماوية ؟! أليس من الممكن أن يكون ألكسندر كورفينيس هو أبانا آدم وابنيه الخارقين للطبيعة هما يأجوج ومأجوج ومن نسل ابنه الثالث ولدنا نحن البشر ؟

لمياء الفالح