full screen background image
   السبت 27 أبريل 2024
ر

الزنوج والغجر شعوب قاومت قبح الحياة بالرقص والموسيقى

بقلم: لمياء الفالح

لأن الحياة رقصة والمشبعون ألما يتمايلون على أنغامها، يزخر الموروث الشعبي لكثير من الحضارات بأناس يلجؤون إلى الرقص واللهو على إيقاع الموسيقى ليقاوموا بشاعة يومهم. بهذه الطريقة الفريدة تناسوا كمية الظلم الرهيب والوحشية التي تعرضوا لها على الدوام. العبيد في أمريكا قاوموا الظلم بالرقص والموسيقى في الولايات المتحدة غداة الحرب الأهلية وتحرر العبيد تواجد ما يقارب النصف مليون زنجي على الأراضي الأمريكية، تعود أصول معظمهم إلى غرب إفريقيا. بعرقهم المختلف عن البقية، جلبوا معهم ثقافتهم الغنية بالموسيقى التقليدية الصاخبة، والأغاني التي تروي أقاصيصا وحكايا عن حجم معاناتهم اليومية داخل حقول أسيادهم البيض. وعن ساعات العمل الطويلة والشاقة، ناهيك سوء المعاملة والضرب المبرح والتعذيب الذي تعرضوا له.

جمالية يومهم ظلت مفقودة خلال سنين العبودية، وما كان منهم بعد أن تحرروا إلا أن يبحثوا عن البديل. وجدوا ضالتهم أخيرا في الرقص والغناء، هكذا قاوموا قبح الحياة وتناسوا وجهها البشع. فرق الجاز الموسيقية التي تعبر عن معاناتهم بشكل فني بحت انتشرت في جل الشوارع تعلن عن بداية عهد جديد لا عبودية فيه، ولا استغلال فيه للسود القادمين من عمق إفريقيا.

فتعالت أصواتهم في كل مكان بعد أن كان حديثهم أشبه بالهمس. الوجه الآخر للغجر الأمر لا يختلف كثيرا مع غجر أوروبا، عرق آخر منبوذ شهد ألوانا من البؤس والفقر والتشرد وسوء المعاملة، كما التصقت بهم على الدوام تهم السرقة، في أوروبا توجد قاعدة تقول “أنت غجري، إذن أنت لص”. الغجر أناس يعيشون بلا هوية على الهامش في أطراف المدن ولا يمتلكون حتى صفة مواطن أو وثائق رسمية تثبت وجودهم داخل الدولة.

معاناة يومية تنتهي بحلول الليل ليبدئ بعدها الصخب. فيفتحون أيديهم بتفاؤل ليعانقوا النجوم بكل شعف وحب متناسين كل أوجاعهم. حالمين بغد أجمل خال من أي قهر، يرقصون الفلامينجو بلا ملل حتى ساعات الصباح الأولى ويزعجون كل من حولهم بطقطقة أحذيتهم. تلك الرقصة التي امتدت جذورها في عمق التراث الإسباني تميزت دوما بقوتها، وحملت في حركاتها التعبيرية الواثقة معاني التفرد والاختلاف والتمرد عن كل ما هو مألوف، لتحاكي الغجري في نمط حياته وتتماهى معه حد التطابق.

إن الشعوب على اختلافها تحاول دائما التشبث بجذورها وثقافاتها المختلفة الزاخرة بالفنون وبعدة أنماط اجتماعية أخرى. ويمثل الرقص والموسيقى أحد أهم وسائلهم للتمسك بموروث وثقافة لا يريدونها أن تموت بفعل المنغصات وعاديات الزمن. فشعورهم بالأذى العميق والاضطهاد والتمييز العنصري جعلهم ينتجون فنا يعبر عنهم، فكان الرقص لغتهم البكر وخطواتهم الغريزية الأولى التي رافقت الموسيقى جنبا إلى جنب.