العدل أساس العمران وهو الحجر الأساس للسلم الاجتماعي والاستقرار، فإن تآكل هذا الحجر وسقط حل الخراب وهوى صرح النسيج المجتمعي، مثال يسحب على ما آلت إليه الأوضاع بالمرفق القضائي بالقصرين من تأزم بسبب النقص الفادح في القضاة وتراكم الملفات وتداعيات ذلك على سير الجلسات وجودة الأحكام. واقع دفع المحامين بالجهة بالانتفاض في وجه هذا الحال بأشكال احتجاجية مختلفة للفت النظر بوجود وضع وصف ب”الخطير” يهدد المصلحة العامة بالجهة.
كان لنا لقاء مع رئيس الفرع الجهوي للمحامين بالقصرين ياسين البركاوي لتسليط الضوء على المسألة والغوص أكثر في جوانب هذا الملف.
من منفى للقضاة إلى خلاء المحاكم:
قبل الثورة كانت القصرين تعتبر أحد المنافي التي تستقبل القضاة “المغضوب عنهم ” من النظام السابق لاستقامتهم هكذا يبتدأ رئيس الفرع حديثه ليؤكد أن الأمور كانت تسير على ما يرام حينها والقضاة يقومون بواجبهم بالجهة على أكمل وجه ،لكن بعد الثورة غادر عدد أكبر منهم ديار “المنفى” باتجاه ولايات الساحل والعاصمة ومع القوانين المحدثة بعد الثورة وإحداث هيئة مشرفة على القطاع ومع منطلق استقلالية القضاء ودولة القضاة وعدم إجبار القاضي على العمل بالجهات بقيت القصرين تعاني من شغور حاد في القضاة بالمحاكم ولم يتم التوصل إلى سد الشغورات مع كل حركة قضائية. لتتأزم الأمور بشكل كبير منذ جانفي 2014 حيث أصبحت المحاكم خالية وتسيير المرفق شبه مستحيل بعدد من القضاة لا يغطي تكدس الملفات قدره البركاوي بـ 13 قاض يأتي نصفهم للعمل ليوم واحد في الاسبوع بالدائرة الجنائية والباقي مرة كل 15 يوم من الدائرة المدنية في حين يقول محدثنا أن العدد الأدنى للقضاة المطلوب لتسيير الجلسات بمحاكم القصرين من المفروض أن ىلا يقل عن 25 قاض باعتبار الدوائر والملفات. هذا الى جانب افتقار محاكم الجهة للعدد الكافي من قضاة درجة ثانية وثالثة ما يعطل السير العادي للمرفق ويؤثر على جودة الاحكام يعمقها غياب عدد كبير من القضاة أغلب أيام الاسبوع عن مراكز عملهم في مخالفة للقانون الاساسي المنظم لمهنة القضاة ما يؤدي إلى الشلل التام للمرفق وضرب لمصلحة المواطن حيث تتأجل الجلسات لهكذا غيابات او انعقادها بتركيبة مخالفة للقانون تؤثر بشكل أو بآخر على الأحكام.
يضيف محدثنا أن 7جانفي الجاري كان بمثابة النقطة التي أفاضت الكأس حيث لم يعد الحديث مرحلة القضاء بتركيبة مختلة بل إلى مرحلة أخطر الغياب التام للاطار القضائي إثر انعقاد جلستين للدائرتين المدنيتين بمحكمة الاستئناف بالقصرين بقاض واحد .ليصبح الفراغ عنوانا للمرحلة الحالية بـ “محكمة الاشباح” كما وصفها البركاوي توصيفا للوضع الكارثي والخطير الذي وصل إليه المرفق بالجهة نتيجة للاستهتار والتسيب وانعدام الجدية والمسؤولية من قبل قضاة يمارسون المهنة على هواهم دون حسيب أو رقيب وآخر همهم ملفات المواطن على حد تعبيره وذلك في ظل انشغال المجلس الأعلى للقضاء بالتجاذبات الداخلية لا اهتمام له بما يحدث في الجهات.
ضرب صارخ للأحكام ومصلحة المواطن:
“لا عدل ولا عدالة” في القضاء اليوم بالجهة في ظل الوضع الحالي للمرفق القضائي يقولها صراحة محدثنا باعتبار الغياب التام والمستمر للعدد القليل للقضاة كامل أيام الاسبوع والوصول إلى الاستعانة بقضاة من المحكمة العقارية حتى تنعقد الجلسات وإن عقدت تخالف تركيبتها القانون ولكن تلك هي الحقيقة لا يوجد قضاة بمحاكمنا إلى جانب عدم الجدية في الأحكام القضائية الذي يعود إلى تكدس الملفات وأيضا عدم أهلية القاضي الذي سيصدر الحكم أو من ينظر في القضية و عادة ما تكون الاحكام جائرة ومبكية في آن لأن القاضي لا يأخذ بالمؤيدات الجديدة أو الاحكام الاستئنافية أو الاستماع للمرافعات بل يعيد حرفيا ما جاء به الحكم الابتدائي وفق قوله، حتى المحامي الذي يستصدر حكما لصالحه تبقى مخاوفه قائمة ليقينه التام بامكانية نقضه في التعقيب مشيرا إلى آخر القضايا في الاسبوع الفارط كمثال بسيط عن رداءة الاحكام قضية المصور الصحفي عبد الرزاق الزرقي وكيفية تحول الملف من جناية إلى جنحة ثم غلق الملف دون أخذ بعين الاعتبار لطلبات الدفاع بتسخير تسجيلات الكاميرا لاثبات الإدانة أو البراءة أو الاتيان بمزيد من المعطيات الاخرى قد تضاف للقضية.. يعلق البركاوي على أن رداءة الاحكام وصلت ذروتها ولا يمكن التسامح أو السكوت عنها لأن المتضرر الأكبر هو المواطن الذي أصبح يائسا كل اليأس من عدالة القضاء بالجهة.
لا مجال للتطبيع مع الرداءة:
“تحرك المحامين أتى متأخرا نوعا ما ولكن أفضل من الصمت المتواصل” يقول رئيس الفرع الذي شدد على أنه لا مجال للصمت بعد الآن لأن ما يحدث كارثة بأتم معنى الكلمة، حيث قاموا بوقفة احتجاجية في 13جانفي الجاري أمام المحكمة الابتدائية تلتها ندوة صحفية وتنفيذ إضراب حضوري يوم 21 من نفس الشهر بمحكمة الاستئناف لتنبيه وزراة العدل والمجلس الاعلى للقضاء بوجود وضع لا يحتمل وإيجاد الحلول اللازمة للنهوض بالمرفق القضائي العدلي بالجهة والابتعاد عن الحلول الترقيعية غير المجدية إلى جانب قرار المقاومة اليومية للتجاوزات من خلال مقاطعة المحامين لجميع الدوائر الحكمية التي تكون تركيبتها مخالفة للقانون وتكوين مرصد لمعاينة ورصد جميع الاخلالات التي تعتري سير المرفق بدائرة محكمة الاستئناف بخصوص انعقاد الجلسات وتركيبة الدوائر كمواظبة القضاة على الحضور بمقرات المحاكم وابلاغ سلطة الاشراف ومجلس القضاء بذلك إضافة إلى اعلام رئيس المحكمة الابتدائية والرئيس الاول لمحكمة الاستئناف بنشر قائمة الدوائر الحكمية الراجعة اليهم بالنظر كضبط مواعيد الجلسات ومواقيت انعقادها بدقة للقضاء على التسيب وتجنب بقاء المحامي لساعات طويلة في انتظار أن يعلم توقيت الجلسة ولا تركيبة الدوائر.
هذا وأكد البركاوي على أن بعض القضاة على علم بتقصيرهم وهناك بعض أعضاء المجلس الأعلى للقضاء من هم على بينة من هذا التقصير والتسيب ولكن لا يمكنهم أخذ القرارات اللازمة ولكن سيقومون بنوع من التفقد في قادم الأيام. مشيرا إلى أنه لا مجال بعد اليوم للتطبيع مع الرداءة والتلاعب بالملفات ولا بد من مقاومة هاته التصرفات بشكل يومي.
صفوة قرمازي