رسالة مفتوحة إلى السيد قيس سعيد، رئيس الجمهورية التونسية،
على رئيس الدولة ممارسة صلاحياته لاحترام الدستور وحماية الحريات
تحية طيبة وبعد،
إن النقابات والمنظمات الحقوقية الوطنية والدولية الممضية على هذه الرسالة تعبر لكم عن عميق انشغالها إزاء المبادرات التشريعية المعروضة على مجلس نواب الشعب للنظر فيها خلال مستهل الدورة النيابية الثانية 2020-2021 والمتضمنة للعديد من الأحكام القانونية التي من شأنها ضرب المسار الديمقراطي عبر فسح المجال لسيطرة بعض الكتل البرلمانية على عدد من المؤسسات الضامنة للحياة السياسية والدستورية في بلادنا على غرار المحكمة الدستورية والهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي البصري، إضافة إلى تهديد الحقوق والحريات الدستورية مثل حرية التعبير والإعلام عبر زجر انتقاد مؤسسات الدولة وأعوانها أو إسناد صلاحيات واسعة للسلطات الأمنية بمناسبة إعلان حالة الطوارئ.
وتتمثل مقترحات ومشاريع القوانين في مقترح قانون عدد 34/ 2020 يتعلّق بتنقيح المرسوم عدد 116 لسنة 2011 المؤرّخ في 02 نوفمبر 2011 ومشروع قانون عدد 25/ 2015 المتعلّق بزجر الاعتداء على القوات المسلّحة ومشروع قانون أساسي عدد 91/ 2018 يتعلّق بتنظيم حالة الطوارئ ومشروع قانون أساسي عدد 39/2018 يتعلق بتنقيح وإتمام القانون الأساسي عدد 50 لسنة 2015 المؤرخ في 3 ديسمبر 2015 يتعلق بالمحكمة الدستورية ومقترح قانون أساسي عدد 44/2020 يتعلق بتنقيح القانون الأساسي عدد 50 لسنة 2015 المؤرخ في 3 ديسمبر 2015 المتعلق بالمحكمة الدستورية.
السيد قيس سعيد، رئيس الجمهورية التونسية،
يمثل مقترح قانون عدد 34/ 2020 يتعلّق بتنقيح المرسوم عدد 116 لسنة 2011 المؤرّخ في 02 نوفمبر 2011 تراجعا عن المكتسبات التي حققتها بلادنا في مجال حرية الإعلام ونكوصا عن الالتزامات الدستورية في إرساء هيئة الاتصال السمعي البصري.
وتهدف هذه المبادرة التشريعية إلى تغيير طريقة تعيين أعضاء الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي البصري، وحذف صلاحية الهيئة في إسناد التراخيص لاستغلال القنوات التلفزية من خلال إقرار مبدأ التصريح في مخالفة صارخة للمعايير الدولية في مجال التعديل السمعي البصري.
وتعكس هذه المبادرة انحرافا بالإجراءات الدستورية بهدف تجاوز عجز مجلس نواب الشعب عن صياغة إطار قانوني دائم في مجال الاتصال السمعي البصري وإرساء الهيئة الدستورية –هيئة الاتصال السمعي البصري- المنصوص عليها صلب الفصل 127 من الدستور من خلال تغيير تركيبة الهيئة الحالية بالأغلبية المطلقة للنواب عوضا عن أغلبية الثلثين المستوجبة لتكوين هيئة الاتصال السمعي البصري الأمر الذي من شأنه تهديد المشهد السمعي البصري في بلادنا.
أما الجزء الثاني من هذه المبادرة والمتمثل في إمكانية إحداث القنوات التلفزية بمجرد التصريح فآثاره ستكون وخيمة على حقوق الصحفيين ونزاهة الانتخابات الرئاسية والتشريعية والمحلية عبر إغراق البلاد بقنوات تلفزية لا تتوفر فيها الضمانات القانونية والتقنية الدنيا لضمان شفافيتها المالية وهوية مالكيها إلى جانب تعميق هشاشة الوضعية الاقتصادية للقنوات التلفزية المتحصلة على إجازة من طرف الهيئة التعديلية.
ولقد أثبتت تجارب الدول الديمقراطية أن الحوار الجدي بين كل الأطراف المعنية بمجال حرية التعبير والإعلام والصحافة يمثل أحد أهم الشروط التي من شأنها أن تساعد في وضع إطار تشريعي ضامن للحقوق والحريات. لذلك ندعو البرلمان إلى الحوار مع مختلف الهياكل المهنية والأطراف المعنية قصد مناقشة مشروع القانون الأساسي المتعلق بحرية الاتصال السمعي البصري الذي تم إيداعه بمجلس النواب منذ 09 جويلية 2020 وتحسينه وتطويره حتى يكون ملائما للمقتضيات الدستورية.
السيد قيس سعيد، رئيس الجمهورية التونسية،
يثير مشروع قانون أساسي عدد 91/ 2018 يتعلّق بتنظيم حالة الطوارئ عدة إشكالات قانونية بخصوص الحقوق والحريات حيث يمنح صلاحيات واسعة لوزارة الداخلية والولاة على حساب الرقابة القضائية في خصوص جميع التدابير التي يمكن اتخاذها كإجراء فرض الإقامة الجبرية دون ذكر الحد الأقصى لمدة هذا التقييد أو وجوب الإعلام المسبق للسلطة القضائية أو كيفية الطعن في شرعيته. وعلاوة على ذلك وقع الاعتماد على عبارات فضفاضة من شأنها أن تؤدي إلى التضييق على الحريات بصورة منافية لمقتضيات الفصل 49 من الدستور التونسي.
كما نُلفت نظركم إلى الخطر الذي يمثله مشروع قانون عدد 25/ 2015 المتعلّق بزجر الاعتداء على القوات المسلّحة الذي يتضمن أحكاما قانونيا من شأنها تقييد الحق في حرية التعبير بصورة متعارضة مع أحكام الفصلين 31 و49 من الدستور حيث تضمن عبارات غامضة وغير دقيقة صلب الفصل الثاني الذي يجرم المساس بالروح المعنوية للقوات والأعوان أو بحياتهم أو ممتلكاتهم وتنسحب هذه الحماية على أقاربهم.
ويتعزز النفس التسلطي لهذا المشروع من خلال فصله العاشر الذي يُخضع إلى الترخيص المسبق التصوير داخل المقرات والمنشآت المشمولة بهذا القانون وفي مواقع العمليات الأمنية والعسكرية المطوقة أو بالعربات أو على متن الوحدات البحرية أو الجوية التابعة للقوات. ويؤدي تطبيق هذا الفصل إلى قلب المبدأ لاستثناء بما أن التصوير في مواقع العمليات الأمنية والعسكرية المطوقة أو بالعربات أو على متن الوحدات البحرية أو الجوية التابعة للقوات أصبح خاضعا للترخيص المسبق بصورة مطلقة في حين أنه كان من الأسلم من الناحية القانونية واحتراما للمعايير الدولية أن يبقى التصوير في مواقع العمليات خاضعا لمبدأ الحرية ويقع تخصيص الاستثناء في عمليات أمنية وعسكرية معينة ومحددة وفقا لمبدأي التناسب والضرورة المنصوص عليهما صلب الفصل 49 من الدستور.
السيد قيس سعيد، رئيس الجمهورية التونسية،
أخيرا، ستنظر الجلسة العامة لمجلس نواب الشعب في مشروع قانون أساسي عدد 39/2018 يتعلق بتنقيح وإتمام القانون الأساسي عدد 50 لسنة 2015 المؤرخ في 3 ديسمبر 2015 يتعلق بالمحكمة الدستورية.
وتجدر الإشارة إلى أن تغيير الأغلبية المستوجبة لانتخاب مجلس نواب الشعب للأعضاء الثلاثة المتبقين لعضوية المحكمة الدستورية يؤدي إلى المساس من قيمة ومكانة هذه المؤسسة الدستورية التي تشكل الركيزة الأساسية للدستور التونسي خاصة وأن هناك هيئات دستورية أخرى يقع انتخاب أعضائها بأغلبية الثلثين. وعلاوة على ذلك فإن انتخاب أعضاء المحكمة الدستورية بأغلبية أعضاء مجلس نواب الشعب يناقض روح الدستور ومخالف للنقاشات التي دارت بين أعضاء المجلس الوطني التأسيسي الذين اتجهت إرادتهم/ن إلى تعزيز مشروعية المحكمة الدستورية من خلال انتخاب أعضائها بأغلبية معززة.
وعلى ضوء التهديدات والمخاطر التي يمكن أن تترتب عن المبادرات التشريعية المذكورة أعلاه فإننا ندعو السيد رئيس الجمهورية إلى ممارسة صلاحياته وفقا للدستور التونسي الذي وضع على عاتقه صلب الفصل 72 واجب السهر على احترام الدستور ومَكَّنه على هذا الأساس من ممارسة حق النقض طبقا للفصل 81 الذي يقتضي أن لرئيس الجمهورية أن يقوم برد مشروع القانون مع التعليل إلى مجلس نواب الشعب للتداول ثانية وتكون المصادقة في هذه الصورة بالأغلبية المطلقة لأعضاء المجلس على مشاريع القوانين العادية وبأغلبية ثلاثة أخماس على مشاريع القوانين الأساسية.
النقابة الوطنية للصحافيين التونسيين
مراسلون بلا حدود
النقابة العامة للإعلام
منظمة المادة 19
الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان
منظمة العفو الدولية – تونس