full screen background image
   السبت 23 نوفمبر 2024
ر
خالدكرونة-التيماء

مُصحفُ عبد الملك بن مروان، و حمامة الغنوشي! … بقلم خالد كرونة

 “قَد تَّقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنكُم مَّا كُنتُمْ تَزْعُمُونَ ” 

(سورة الأنعام)

وأذّنت جماعة منهم في النّاس أنْ نحنُ للعهد صائنون .. ونشرت عُصبةُ المائة في القوم في محرّم الحرام صحيفة النداء الناحلة .. تأسّت بالإخوة المغاربة الذين أطلقوا منذ أعوام « نداء المائة لإصلاح منظومة التعليم »، فرفعت الصوتَ ضدّ التمديد، تقليعةِ أيّام كوفيد المجيد.

طالبت الجماعةُ مؤسس « الجماعةِ » أن يذعن لنظام  داخليّتها، وأن يضرب المثل على ديموقراطيّـتها .. ونسي القوم أنّ له هو الآخر « نور الدين » ،، ممّن انطبق عليه قول الجبار  » وقال قائل منهم إنّي كان لي قرين » ( سورة الصّافات) .. ولا عجب،  فلكلّ تمديد طيرٌ غرّيد، من ذوات الأنوار ، وممّن يذبّ عن بيضة الدين رجاءَ التمكين .. وفشا الخبرُ في أسواق أصحاب الكياسة من « آل » السياسة، و نما إلى « المتكلمين »،(المحللون) وذكره كلّ مخلص لمــحبّه الخَدين.  مشت به الركبان، وعلم به ربّ الصولجان، وعبر البيان حواجز الغفلة،  وأسيجة النسيان.

وقال منهم قائلون: ألقوا بصركم إلى مؤتمر على الأبواب، واتقوا الله ربّ الأرباب، واذكروا أنّ حكمته اقتضت تداول الأيّام، وتبدّل الأعلام، ولتكن لكم في التاريخ موعظة تتدبّرونها.  ولم يلبثوا  أن عَزوا الخيبات المتواليات إلى سالف القيادات .. ولم يبرح ما  كان  قبلا يُلمعُ إليه تلميحا أن انقلب بفضل الصحيفة خطابا صريحا. فالشيخ ذو اليد البيضاء، موضوع النداء، (مثل زعيم راحل) « أحببناه، وعملنا تحت إمرته سنوات طوالا «، بيد أنّ « شيخوخته » (السياسية) قد طالت، وامتدّت إليه « لوثة » الكرسيّ و لم يزل يشكو من الفند ( الخرف) طرفا .. ثمّ إنّه ــ على أفضاله التي لا ينكرها إلاّ جاحد ـــ أثِم في أواخر الجولات، وقاده ما إليه طمع إلى ما فيه وقع. فعددُ الأنصار في تناقص، والألقُ إلى ضمور، وعواصف الإقليم عاتية، ورياح التغيير آتية، و ما برح حديثُ العرافة القديمة في مأرب قبل خراب السدّ يرنّ في الآذان: «قد أزف بكم الغرق، وحصل ما قُدّر و سبق» هلّل المهلّلون، وابتهج المحلّلون ( محلّلو النكاح بعد ثالث طلاق)، وتوهّموا أنّ الصحيفة بدلٌ من بيعة السقيفة .. تعالت الأصوات وحُبّرت المقالات .. ونسيت الجماعة أنّ ما هو آت، آت فأبو تكتك (كما يحبّ أن يُكنّى) ما زال يقبض بيده الشريفة على أرصدة المال النظيفة، ولا يعلم غيره  و غير نفر  يسير من خاصّة ثقاته ومن خُلصاء السلالة ومن الأصهار و الختن، مصادرها، وخاصة مسالكها، وهو وحده الحائك الذي تنقاد خيوط الاتصالات الدوليّة إلى بنانه، يدعوها فتجيبه، ويطلبها فتزيده

وصاحبكم بسيرة عبد الملك بن مروان مفتون .. فقد زعم المؤرخون ــــ سامحهم الله ــــ أنّه كان يُلقّب بـــ “حمامة المسجد” ، ولا يفوتكم هاهنا أن تجدوا أثر عشق الحمام في سيرة القائد الهمام. وهو ــــ أطال الله عمره ـــ يعلم حكمة “الحمامة المطوقة” في طلب النجاة من كلّ شَرَك ولستُ أشكّ أنّه يعلم ـــــ زاد الله معارفه ــــ ما فعلت البيْعةُ بعبد الملك . فقد صار خامس خلفاء بني أميّة أيّام القلاقل ، ورقيَ العرش وقد تقلّدت حُكمَ الآباء الرزايا .. ولكنّ تبصّره (لأنّه المعلّم التكتاك) قاده إلى مهادنة الروم الرابضين على تخوم الشّام فدفع لهم الجزية، وقادته “حكمته” إلى تجاهل منازعيه على الحكم وخاصة الزبيريين بالحجاز، وإلى غضّ النظر عن “خلفاء” الأزارقة في خراسان ( قائدهم قطري بن الفجاءة) ، والمختار الثقفي بالعراق، وظلّ جالسا على العرش يُجهز الجيش و ينتهز فرصة التمكين حتّى كان له ذلك، فقد حمل بنفسه على الزبيريين، وأرسل الحجّاج يقصف الكعبة بالمنجنيق ويدخل تاليا إلى المدينة.                                                          .

ولعلّ الشيخ ــــ زيّن الله محفَلنا بطلعته ـــ يعلم يقينا لا تخمينا ما قيل عن يوم بيْعة “أبي الملوك” (ابن مروان) .. فقد ذكروا أنّه كان منرواة الأحاديث و من حفظة القرآن، زاهدا في المسجد حتّى بات “حمامته”.. و زعموا أنه أطبق المصحف ساعة أُخبر بانقياد “الكرسيّ”   إليه، وبانعقاد البَيعة له، وقال قوله المشهور:  “هذا آخر عهدي بك” .. ولعلّه ما أسَرّه الشيخُ في نفسه ساعة خلع الجبّة ولفّ ربطة الإفرنج حول عنقه  فكان آخر عهده بها.  وما يزال ـــ حفظ الله عليه حوْباءَه ــــ يذكر يوم عودته من البرّ الإنجليزيّ منصورا، أشهرا بعد رحيل الجنرال مدحورا،وما برح يطرب لما سمع من أهازيج أعْلتْهُ مقام البدور.. لذلك لم يحرجْ حين ردّ على عُصبة المائة، فأنشدهم قول أبي فراس:

          سيذكرني قومي إذا جدّ جدّهم *** وفي الليلة الظلماء يُفتقدُ البدر

وهو ــ أنار الله سبيله ــ يعرف أنّ خلعه من سدّة الرئاسة سراب، فما ينمو إليه من أخبار  أنّه ضَمن بيْعة الأمميّة الإخوانيّة، و أنّ كبير الإنكشاريين في بلاد الروم يسنده. فممّ الجزع إذن؟ وهل يفوته أنّه ليس رئيسا لحركة؟، بل لعلّه كما قال بعض “خوارجها” رئيس له حركة ..والشيخ ليس غبين الرأي،فهو ـــ كما علمتم ـــ من حملة الأقلام،ولعلّه مفتون باقتران اسم عبد الملك بن مروان بأوّل دينار إسلامي ذهبيّ نقشت عليه صورته، وهو بالتأكيد يعلم أنّه في عهده  سيّر “حسّان بن النعمان الغسّاني” فبنى مدينة تونس (82 هــ)، وكلّما مرّت صورة “باب البحر” أمام أعين الشيخ لهج بالدعاء لأبي الملوك، وغبطه ليُسْر تحوّله من “حمامة” مسجد إلى خليفة مهيب، مثلما غبط زوجاته الخمس لما نالهنّ من شرف القرب منه.

شيء واحدٌ يُنغّص على شيخنا، هو ذكرى منحوسة تقضّ سكينته، ذلك أنّ الدولة التي أقام مَنعَتها أبو الملوك، انتهت إلى السقوط بعد أن فارق بسبعة عقود، أيام سليله مروان بن محمد مروان بن محمد (بن عبد الملك بن مروان) . وما ينغّص عليه حقّا أنّ الرّجل كان يُكنّى “الخليفة الحمار” ..

والشيخ ــــ لا عدمنا رأيه ـــ لا يخشى على « دولته » / حركته، غير حمار قادم و خراب يحلّ.