بعد سنتين من حملات الدعاية، وعلى نهج المؤامرات المتعاقبة، كشف أخيرا الرئيس الأمريكي ترامب، بحضور رئيس الوزراء الإسرائيلي ناتنياهو وفي غياب الرئيس الفلسطيني محمود عبّاس، عن خطّته الاستفزازية المسمّاة “صفقة القرن” حيث نصّت على أنّ القدس عاصمة موحّدة لإسرائيل بينما اقترحت على الفلسطينيين عاصمة في أحواز شرقيّ هذه المدينة، وعلى شرعنة ضمّ غور الأردن والمستوطنات و40 في المئة من مناطق الضفّة الغربية المحتلّة إلى إسرائيل. واقتصرت الخطّة على اقتراح دويلة فلسطينية على شكل “كانتونات” ذات حدود مؤقتة، منزوعة من السلاح ومنقوصة السيادة تخضع للسيطرة التامة للدولة العبرية، وتقرّ بيهوديّة الدولة الصهيونية وشطب حقّ الفلسطينيين في العودة إلى أراضيهم مقابل إعادة توطينهم في بعض الدول العربية بأموال خليجية وفرض التطبيع على البلدان العربية مع المحتلّ الصهيوني.
إنّ مضامين هذه “الصفقة” تفضح الانحياز التّام للإدارة الأمريكية في عهد الرئيس ترامب للتّصوّر الإسرائيلي لحلّ النزاع القائم، وهي محاولة جديدة-قديمة لفرض مشروعها التصفوي للقضيّة الفلسطينية في خرق صارخ لقرارات الشرعية الدولية خاصّة قرار 242 وفي تجاوز خارق لكلّ الاتفاقيّات السابقة .
هكذا تنتصب الامبريالية الأمريكية، الراعي الدّاعم السافر للعدوّ الإسرائيلي الغاصب في مسعى محموم للسيطرة الكاملة على ثروات ومقدّرات المنطقة العربية، منتهزة الأوضاع المأزومة وتواطئ الأنظمة العربية المتهالكة، ومعضلة الانقسام الفلسطيني.
إنّ هذه “الصفقة” تضرب عرض الحائط الحقوق الوطنية الفلسطينية غير القابلة للتصرّف، ولا توفّر أيّ أمل للعودة إلى المفاوضات، وتنسف فرص السلام وتهدّد بتسعير نار الحروب.
إنّنا ندين بشدّة هذه الخطة الأحادية ونعبّر عن دعمنا اللامشروط للسلطة الفلسطينية الرافضة لها، ونجدّد عهد التضامن الكامل مع نضال الشعب الفلسطيني ضدّ الاحتلال الإسرائيلي، ومن أجل حقّه التاريخي المشروع في إقامة دولته الوطنية المستقلّة القابلة للحياة وذات سيادة وعاصمتها القدس، كما ندعم حقّ اللاجئين الفلسطينيين في العودة إلى وطنهم.
أمام الأخطار المحدقة، نهيب بالإخوة الفلسطينيين أن يتجاوزوا حالة الانقسام بتحصين وحدتهم في إطار منظمة التحرير الفلسطينية الممثّل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني. كما ندعو إلى توحيد كلّ الجهود المخلصة في تونس، وجهود الشعوب العربية وأحرار العالم إلى مزيد التنسيق فيما بينها لمواجهة هذا المشروع لإسقاطه والعمل على توسيع حملة مقاطعة إسرائيل والتشهير ب” التطبيع” الذي تقترفه بعض الأنظمة العربية حتى لو جاء في شكل غير معلن، ودفع الأمم المتّحدة إلى فرض احترام قراراتها والقيام بدورها كاملا في حماية شعب تحت وطأة الاحتلال. وفي هذا السياق، نطالب الحكومة التونسية بتحمّل مسؤوليّاتها كاملة عبر انتهاج ديبلوماسية أكثر نشاطا خاصّة وأنّها تترأّس القمة العربية وتتبوّأ مقعدا في مجلس الأمن.
مساريّون ..لتصحيح المسار
31 جانفي 2020