في زمن تزداد فيه هجرة الكفاءات التونسية نحو أوروبا وأمريكا الشمالية، يبرز اسم المهندس المعماري محمد الحبيب بن رمضان كاستثناء. لا لأنه قرر الهجرة فحسب، بل لأنه اختار وجهة نادرة: مدغشقر، حيث صنع لنفسه مسارًا مهنيًا ناجحًا، وتحول من كفاءة مهاجرة إلى فاعل اقتصادي وجمعياتي يسعى لبناء جسور التعاون بين بلده الأم وتلك الجزيرة الإفريقية.
بعد إقامة سابقة في اليونان، قرر بن رمضان في عام 2017 التوجّه إلى مدغشقر بمساعدة أحد أقاربه، واضعًا نصب عينيه فرصة عمل في مجال الهندسة المعمارية، رغم أن العرض المالي كان دون ما اعتاد عليه. إلا أن الرهان لم يكن ماليًا فقط، بل استراتيجيًا، إذ آمن أن القارة الإفريقية هي المستقبل الحقيقي للاستثمار والنمو.
سرعان ما أسّس بن رمضان شركته الأولى في أنتاناناريفو، ومنها انطلقت تجربته الريادية في مجال البناء والتخطيط المعماري. بفضل احترافيته وانضباطه، توسعت أنشطته تدريجيًا ليُصبح اليوم صاحب مجموعة شركات، واسمًا معروفًا لدى الأوساط المهنية في العاصمة الملغاشية.
غير أن نشاطه لم يقتصر على المجال المهني، فقد أولى أهمية كبرى للجالية التونسية في مدغشقر، وأسّس ودادية التونسيين هناك، لتكون هيكلًا جامعًا يوفّر فضاء للتواصل والتكافل رغم محدودية عدد أفراد الجالية. وفي خطوة أكثر طموحًا، أطلق محمد الحبيب بن رمضان مبادرة “الغرفة الاقتصادية التونسية الملغاشية”، التي تُعد اليوم واحدة من أبرز المبادرات الخاصة التونسية في إفريقيا جنوب الصحراء.
تهدف الغرفة إلى فتح آفاق تعاون تجاري واستثماري بين البلدين، وتوفير منصة دائمة لرجال الأعمال التونسيين الراغبين في دخول السوق الإفريقية انطلاقًا من مدغشقر.
ومن أبرز المشاريع المنتظرة تنظيم الأيام الاقتصادية التونسية الملغاشية في جانفي 2026، والتي ستشهد مشاركة وفود من أصحاب المؤسسات والمستثمرين من الجانبين، في محاولة جادّة لتكريس الشراكة جنوب–جنوب. في تصريحاته، لا يُخفي بن رمضان قناعته بأن تونس تأخرت كثيرًا في التوجه نحو عمقها الإفريقي، ويؤكد أن الوقت قد حان لتصحيح المسار، والانفتاح الفعلي على أسواق واعدة تتطلب فقط الجرأة والقرار.
إن تجربة محمد الحبيب بن رمضان تُظهر كيف يمكن للكفاءات التونسية في الخارج أن تتحول من أفراد ناجحين إلى مبادرين مؤثرين، إذا ما وجدت البيئة المناسبة والرؤية الواضحة.
وهي أيضًا دعوة مفتوحة لإعادة التفكير في علاقة تونس بإفريقيا، ليس من زاوية التحديات، بل من باب الفرص التي تنتظر من يطرق أبوابها بثقة.