يواجه قطاع العلاج الطبيعي في تونس تحديات كبيرة تهدد مستقبل المهنة وتضع أخصائييها في وضع غير مستقر. منذ عام 2007، لم تتغير التسعيرة المحددة للحصة العلاجية، والتي لا تزال عند 11.5 دينارًا، وهو مبلغ لم يعد يتماشى مع الواقع الاقتصادي الحالي. في ظل التضخم وارتفاع تكاليف المعيشة، يجد الأخصائيون أنفسهم أمام معادلة صعبة بين توفير خدمات ذات جودة والحفاظ على استمرارية عملهم.
تسعيرة مجمدة منذ 2007: ضغوط مالية متزايدة
تعتبر التسعيرة الحالية غير منصفة، حيث لم تواكب التغيرات الاقتصادية على مدار أكثر من 17 عامًا. وفقًا لرئيس الجمعية المغاربية لأخصائيي العلاج الطبيعي السيد امير البحري، المقيم في بلجيكا، فإن هذا الوضع دفع العديد من المهنيين إلى الهجرة بحثًا عن فرص أفضل، مما أدى إلى نقص في الكفاءات داخل تونس. ويضيف: “أخصائي العلاج الطبيعي يضطر للعمل بسعر لا يغطي حتى تكاليف التشغيل، مما يجعله عاجزًا عن توفير مستوى عيش كريم.”
عدد الحصص العلاجية غير كافٍ
لا تقتصر الأزمة على التسعيرة المجمدة، بل تشمل أيضًا تحديد عدد الحصص العلاجية الممنوحة للمريض، والتي غالبًا ما تكون غير كافية لاستكمال العلاج. هذا التحديد الصارم، دون مراعاة احتياجات المرضى، يؤدي إلى نتائج غير مكتملة، ما ينعكس سلبًا على صحتهم ويضع الأخصائيين في موقف محرج بين احترام القوانين ومحاولة تقديم العلاج الأمثل.
منافسة غير شرعية وغياب الرقابة
إحدى الإشكاليات الأخرى التي تهدد القطاع هي المنافسة غير الشرعية، حيث تنتشر “محلات” للعلاج الطبيعي دون ترخيص، يديرها أشخاص غير مؤهلين، مما يعرض صحة المرضى للخطر. في ظل غياب الرقابة الصارمة، تفاقمت هذه الظاهرة وأصبحت تهدد الأخصائيين المعتمدين وسمعة المهنة ككل.
الحل: عمادة وطنية وإصلاح شامل
يرى المتخصصون أن الحلول تبدأ بإنشاء عمادة وطنية لأخصائيي العلاج الطبيعي، تكون مهمتها تأطير المهنة، حماية الأخصائيين، والدفاع عن حقوقهم. كما يشددون على ضرورة مراجعة التسعيرة المعتمدة لتتماشى مع تكاليف العيش الحالية، بالإضافة إلى تفعيل الرقابة على المحلات العشوائية واتخاذ إجراءات صارمة ضد المخالفين.
الدروس المستفادة من التجربة البلجيكية
في بلجيكا، يتمتع أخصائيو العلاج الطبيعي بإطار قانوني واضح يحمي حقوقهم وحقوق المرضى، إلى جانب وجود هيئة رسمية تنظم المهنة وتحدد تسعيرة عادلة وفقًا لتكلفة المعيشة. يمكن لتونس أن تستفيد من هذه التجربة عبر إعادة هيكلة القطاع وإرساء قوانين أكثر صرامة لضمان جودة الخدمات المقدمة.
خاتمة
يظل قطاع العلاج الطبيعي عنصرًا أساسيًا في المنظومة الصحية، لكن استمرار الإشكاليات الحالية دون حلول سيؤدي إلى مزيد من التدهور. الحل يكمن في إعادة هيكلة القطاع عبر تسعيرة عادلة، رقابة صارمة، وهيئة منظمة تحمي حقوق الأخصائيين والمرضى على حد سواء. فهل تتحرك السلطات لإنقاذ هذه المهنة الحيوية قبل فوات الأوان؟
جيلاني فيتوري