
أنا امرأة تونسية، نشأت في بيئة تقدّر الجذور والهوية، لكنني اخترت أن أكون جسرًا بين الثقافات، حيث أمضيت 34 عامًا بين إيطاليا وبلجيكا أعمل في مجال الهجرة والاندماج. أؤمن بأن الإنسان أينما زُرع يمكن أن يزهر ويترك أثرًا، وهذا ما سعى إليه طوال مسيرتي المهنية والشخصية.
كيف أثر عملك في مجال الهجرة على شخصيتك ورؤيتك للحياة؟
التعامل مع المهاجرين من خلفيات مختلفة جعلني أكثر تعاطفًا وتفهمًا للآخر. رأيت قصصًا مؤلمة، وأخرى ملهمة، مما منحني رؤية أعمق لمعنى الهوية والانتماء. أدركت أن الاندماج ليس مجرد عملية قانونية، بل رحلة إنسانية تحتاج إلى الدعم والتوجيه.
رغم سنواتك الطويلة خارج تونس، كيف حافظتِ على ارتباطك ببلدك الأم؟
تونس تعيش في داخلي، لم أشعر يومًا أنني بعيدة عنها. تعلّقي ببنزرت، مدينتي، دفعني إلى توثيق تاريخها وثقافتها في كتابي Beautiful Bledi: Bizerte the Venice of Africa، الذي أردت من خلاله إبراز جمالها وروحها للعالم.
ما الرسالة التي يحملها كتابك عن بنزرت؟
الكتاب ليس مجرد سرد تاريخي، بل هو نافذة تُظهر بنزرت كمدينة تمتزج فيها العراقة بالتنوع الثقافي. سعيت إلى تقديمها كجوهرة متوسطية تستحق الاهتمام، وأردت أن يكون الكتاب وسيلة لتعريف العالم بهذه المدينة الفريدة.
إلى جانب مسيرتك المهنية، حصلتِ على دكتوراه في التنمية البشرية وماجستير في الريكي. كيف ساهم ذلك في رؤيتك للحياة؟
أنا مؤمنة بأن الإنسان كيان متكامل، لا يمكن فصله بين عقل وجسد وروح. دراستي في التنمية البشرية والريكي منحتني أدوات لفهم الذات والآخرين بشكل أعمق. أرى أن التطور الشخصي ليس فقط في تحصيل المعرفة، بل في تحقيق توازن بين العمل، والعلاقات، والجانب الروحي.
كيف توظفين هذه المعرفة في عملك الحالي في الخدمات الاجتماعية ببلجيكا؟
عملي في مكتب الهجرة والاندماج يعتمد على التواصل الفعّال وفهم احتياجات الأفراد. أستخدم معرفتي في التنمية البشرية لتقديم دعم نفسي واجتماعي يساعد المهاجرين على تجاوز صعوبات التأقلم، مما يجعل رحلة اندماجهم أكثر سلاسة وأقل صعوبة.
ما التحديات التي تواجهينها في عملك، وكيف تتعاملين معها؟
أكبر تحدٍ هو التعامل مع اختلاف الخلفيات الثقافية والصدمات التي يعاني منها بعض المهاجرين. أتجاوز ذلك بالصبر، والإنصات الفعّال، وتقديم الحلول التي تراعي خصوصيات كل فرد، مع الحفاظ على حس إنساني عالٍ في التعامل معهم.
ما الرسالة التي تودين توجيهها للمهاجرين، خاصة القادمين الجدد؟
أقول لهم: حافظوا على هويتكم، لكن لا تخافوا من التفاعل مع المجتمعات الجديدة. الاندماج لا يعني الذوبان، بل هو عملية أخذ وعطاء. والأهم أن تتحلّوا بالإيجابية والإصرار، فالمستقبل يُبنى بالصبر والعمل.
أخيرًا، كيف ترين مستقبلك المهني والشخصي؟
أطمح إلى توسيع دائرة تأثيري من خلال التدريب والتأليف، لمساعدة أكبر عدد ممكن من الأشخاص على تحقيق توازن حقيقي في حياتهم. كما أنني أطمح إلى الاستمرار في الترويج لجمال تونس وتراثها، لأنني أؤمن بأن الهوية الثقافية قوة يجب أن نفخر بها.
كلمة أخيرة؟
أينما زُرعت، ازهر واترك أثرًا. هذه فلسفتي في الحياة، وأتمنى أن تصل رسالتي لكل من يسعى لإحداث تغيير إيجابي في حياته وحياة الآخرين.
حوار:جيلاني فيتوري