بقلم: لمياء الفالح
تستهل شاعرة المهجر الصومالية المقيمة في بريطانيا وارسان شاير إحدى قصائدها بمقطع قد يبدو لناظره متطابقا حدّ الغرابة مع ما يحدث اليوم في تونس من موجة غير مسبوقة لاجتياز الحدود خلسة. جمل مقتضبة تعكس مدى حالة الاحباط واليأس التي تملّكت هؤلاء ودفعتهم قسرا إلى الإلقاء بأنفسهم للمجهول.
لا أحد يرحل عن وطنه
إلا إذا كان الوطن فم قرش
لا أحد يرحل عن وطنه
إلا إذا طرده الوطن نحو الشاطىء
لا أحد يرحل عن وطنه إلا عندما يكون للوطن صوت عذب يهمس في أذنك:
ارحل،
أركض بعيدا عني الآن.
لا أعلم إلى أي شيء تحولت لكني أعلم أن أي مكان آخر هو أكثر أمنا من هذا.
كما هو الحال مع كلمات القصيدة تحول الوطن إلى غول قد يفتك بالمواطن في أية لحظة، وتدهورت علاقة التونسي بتونس.
يأتي كل هذا كنتيجة حتمية لسوء تصرف الحكومات المتعاقبة على السلطة، ولتردّي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والانسانية التي شهدتها البلاد خلال العشرية الاخيرة. حالة من اليأس والاحباط المستمر حوّلت معيشة التونسيين اليومية إلى كابوس يقض مضجعهم وينغّص عليهم حياتهم.
فباتت فكرة الهجرة السرية عن طريق صعود مراكب الموت التي تشق عرض البحر باتجاه الأراضي الأوروبية تفرض نفسها كحلّ أخير يداعب مخيلة جميع الفئات العمرية من شباب وكهول وحتى أطفال. لا يكاد يمر أسبوع واحد دون أن تنتشر على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي صور لأفراد أو عائلات قضوا نحبهم غرقا أثناء رحلتهم نحو السواحل الايطالية. أو مقاطع فيديو لآخرين يشقون طريقهم في عرض البحر نحو ملاذهم الأخير، غير مبالين بشبح الموت المتربص بهم، وبالمخاطر التي قد تواجههم بعد الوصول. ناهيك عن كثيرين غيرهم غادروا بطريقة حديثة مرورا بتركيا وصربيا. يعد توسع أحزمة الفقر وارتفاع منسوب البطالة خاصة في صفوف حاملي الشهائد العليا، وانحسار الطبقة الوسطى، وغلاء المعيشة، والتفاوت الجهوي الذي أدى إلى تعطل سلّم النمو الاجتماعي وعدم استقرار الطبقة السياسية التي زادت تجاذباتها من تأزم الأوضاع، من أبرز الأسباب التي تدفع بالتونسيين للهجرة.
فأساليب الظلم والتهميش التي عانوا منها مطوّلا داخل وطنهم جعلتهم يفقدون الثقة في أية بوادر إصلاحية قد تصدر من طرف الدولة. ورسخت فيهم اعتقادا جازما بأن الجنة الموعودة والعدل الاجتماعي الذي ينشدونه سيكون بانتظارهم وراء البحار.
احصائيات مفزعة تم رصدها، بالذات خلال السنتين الأخيرتين جاءت لتؤكد فشل الدولة التونسية في التصدي لهذه الظاهرة رغم محاولات المنع والردع المتكررة. إذ أكد مصدر رسمي في الحرس الوطني احباط 1509 عملية اجتياز للحدود البحرية خلسة منذ بداية سنة 2022 إلى غاية 23 أوت الجاري وايقاف 299 منظما وأكثر من 150 وسيطا تونسيا.
وكشفت الابحاث أن الهجرة السرية أصبحت تشمل العائلات والقصّر والحوامل والرّضع.
رغم الجدل الذي أثاره ملف الهجرة السرية وارتفاع عدد الموتى بشكل ملحوظ فإن السلطات التونسية لم تدلي لحد الساعة بمعطيات مفصلة، ولا بحلول توعوية وخطة عمل ناجعة وفعالة قد تساهم في الحدّ من انتشار ظاهرة اجتياز الحدود خلسة مكتفية فقط ببعض التصريحات المقتضبة.