في إطار برنامجه معهد تونس للسياسة نظم مركز الدراسات المتوسطية والدولية لقاء حواريا حول “الأزمة السياسية وضرورة التلاقي” وذلك يوم الأربعاء 19 جانفي 2022، بمشاركة كل من مدير مكتب قناة الجزيرة بتونس الصحفي لطفي حجي، والمحامي العياشي الهمامي والأستاذ الجامعي الصحبي الخلفاوي، بحضور عدد من مكونات المجتمع المدني والسياسي.
أكد مدير معهد تونس للسياسة أحمد ادريس في كلمته الافتتاحية ان هذا اللقاء الحواري يأتي في ظرف استثنائي وفي إطار أزمة سياسية غير مسبوقة تعيش على وقعها البلاد منذ فترة وخاصة ما بعد 25 جويلية 2021 مشيرا أن هذه التطورات على الساحة السياسية فرضت طرح مثل هذا اللقاء للتباحث عن إمكانيات تلاقي الأطراف السياسية والبحث عن مخارج وحلول للأزمة الراهنة.
وقال ادريس أن تشريك كل من لطفي حجي والعياشي الهمامي كفاعلين في حراك 18 أكتوبر 2005 للتأكيد على أن التلاقي اليوم ضروري وهو الحل السلمي الذي يمكن أن يخرج البلاد من أزمتها، مؤكدا على ضرورة استخلاص الدروس من التجارب السابقة والبناء عليها للتعايش وبناء النهضة الاقتصادية والاجتماعية وبناء تونس التي نريد، تونس الديمقراطية. وقال في معرض حديثه في تسييره للقاء الحواري أننا لم نفصل الي اليوم في مسألة “التعايش” لا في الدستور ولا عند طرح مسألة “التوافق” والذي وصفه بـ “الكاذب” أو ” التسويفي ” مؤكدا أننا اليوم نعاني من عدم قدرتنا على التعايش في إشارة الى أن لو تمّكنا في المستقبل من التعايش واستبطان الديمقراطية عندها سنتمكن من النجاح في المضي الى الأمام وبناء الدولة الديمقراطية وتونس المختلفة والمتنوعة في مناخ اجتماعي سليم.
من جانبه تحدث المحامي عياشي الهمامي عن تجربته ضمن حركة 18 أكتوبر2005 والتي كان حينها على رأس الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الانسان، فرع تونس العاصمة ،مستعرضا تجربة الحوار التي أدارتها هيئة 18 أكتوبر والتي وصفها بـ “الناجحة” رغم الاختلافات الأيديولوجية والفكرية لأعضاء الحركة.
وأشار الهمامي الى الظروف التي ساهمت في إنجاح عملية التلاقي بين مختلف الأطراف والشخصيات السياسية والحقوقية المعارضة لنظام بن علي داخل حركة 18 أكتوبر والتي كان من أبرزها مؤكد أن اضراب الجوع الذي نفذه 8 معارضين من تيارات سياسية مختلفة قبيل القمة العالمية حول مجتمع المعلومات التي نظمت في تونس في 2005.
وبيّن المحامي العياشي الهمامي أن هيئة 18 أكتوبر نجحت حينها في لفت النظر الى الأوضاع وحالة القمع والديكتاتورية التي تعيشها على وقعها البلاد ومثّلت تجربة نوعية وهامة للعمل السياسي ومخبرا للحوار رغم اختلاف القوى السياسية المكوّنة للجبهة، مشيرا أن بعد انهاء اضراب الجوع الذي دام مدة شهر كامل تم تنظيم “منتدى 18 أكتوبر للحقوق والحريات” في مواصلة لنشاط الهيئة في ظروف القمه والحصار وتم تبعا لذلك اصدار كتبا بعنوان “طريقنا الى الديمقراطية ” نابعا من تفكير أعضاء الحركة في التأسيس الى دولة ديمقراطية.
لطفي حجي الصحفي والرئيس السابق لأول نقابة مستقلة للصحفيين والتي تأسست سنة 2004 في فترة بطش الرئيس الراحل زين العابدين بن علي ،أكد في مداخلته على أن تجربة 18 أكتوبر نجحت في لفت الأنظار الى القمع الذي كان يخيّم على المجتمع في تلك الفترة والذي كان يمارسه النظام السياسي.
وبيّن الحجي أن تجربة 18 أكتوبر 2005 تعتبر من بين الأحداث الكبرى التي ساهمت في تعرية الديكتاتورية وجاءت بعدها بقية الأحداث على غرار أحداث الحوض المنجمي سنة 2008 والتي شملت مدن الرديف والمتلوي وأم العرائس والمظيلة في ولاية قفصة وواجهت قمعا شديدا مما خلف عددا من القتلى ومئات المعتقلين الى جانب عمليات تعذيب طالت الناشطين والحقوقيين والنقابيين والصحفيين الذين حكم عليهم بالسجن.
واستعرض الصحفي لطفي حجي في السياق ذاته أسباب نجاح حركة 18 أكتوبر والتي لخّصها في تسبيق أعضاء الهيئة الأحداث من الأهم الى المهم، معتبرا أن أطماع شخصية وهاجس “الزعاماتية” كان من بين الأسباب الرئيسية لفشل هيئة 18 أكتوبر2005.
وبخصوص فترة ما بعد الثورة أوضح الحجي أن فشل الأطراف السياسية في تحقيق التعايش بين 2011 و2013 ساهم في مزيد تأزم الأوضاع في تونس مؤكدا أن الأطراف السياسية لم تنجح في استغلال مناخ الحريات وفشلت في اقتناص لحظة الثورة ولم يتم معالجة القضايا الحقيقية للبلاد على غرار بناء ديمقراطية حقيقية وتغيير المنوال التنموي وإرساء مفوضات جدّية مع كبرى الأطراف المتحكمة في الدول، بل كانت الانقسامات والصراعات هي الخبز اليومي للأطراف السياسية وبذلك تحقيق فشل غير مسبوق في التعايش والبناء.
وقال لطفي حجي في هذا الاطار ” ..بعد 25 جويلية 2021 وبعد العمل بالإجراءات الاستثنائية والعودة الى الحكم الفردي لاحظنا عودة تجميع الأحزاب من جديد شبيهة بحركة 18 أكتوبر لكن بعيدا عن الاستنساخ لضمان نجاح الحركة في تعديل موازين القوى والعودة الى المسار الديمقراطي..”، معتبرا “أن ” “الديكتاتورية” هي المجمّع للأحزاب المختلفة والمتنوعة مثل ما حدث في 2005 وتكوين هيئة 18 أكتوبر، لكننا عجزنا في المقابل في تكوين بما يسمى بـ “الكتلة التاريخية” التي كانت يمكن أن تخرجنا من أزمتنا من منطلق عقلنة الخلافات واذا أرادت الأطراف السياسية النجاح في المستقبل يجب الابتعاد عن استنساخ تجربة 18 أكتوبر وإيجاد طريقة للتعايش الحقيقي بين مختلف الأطراف السياسية المختلفة والمتنوعة وحتى وسط المجتمع نفسه بشقيه المحافظ والمتحرّر”.
الأستاذ الجامعي الصحبي الخلفاوي قال ان ” هناك شيء مهم جعل تجربة 18 أكتوبر تنجح هو الاعتصام الذي تم تنظيمه في دار المحامي بتونس العاصمة وكانت حينها أول فرصة للقاء الإسلاميين بعد خروجهم من السجن والتقاءهم مع اليساريين وهو ما سهّل وكسر عديد الحواجز النفسية وجعل الاقتراب ممكنا..”
و استعرض الخلفاوي بدوره أسباب نجاح هيئة 18 أكتوبر في تجميع مختلف الأطراف السياسية والحقوقية المختلفة أيديولوجيا وفكريا مشيرا أن التجربة سرعان ما فشلت وانتهت في 2009 بسبب الانقسامات والاختلاف حول استراتيجية التحرك و محاربة النظام ،منهم أطراف من الداخل وآخرون من أبناء الإسلاميين الذين عادوا الى تونس من الخارج في 2008 والذين لا يريدون التصادم مع النظام بصفة مباشرة.
وبين الصحبي الخلفاوي في مداخلته أن حركة النهضة عاشة سنة 2011 عديد المشاكل والتناقضات داخلاها بسبب اختلاف رؤية قياداتها سواء حول استراتيجية عملها أو في علاقة بكبرى الملفات.
وأوضح الخلفاوي في هذا الصدد أن تونس عبر التاريخ عاشت عديد الأزمات وآخرها في العشرية الأولى من الثورة وما بعد 25 جويلية 2021 مشيرا” أن في وقت الأزمات هناك ما يسمى بعوامل التعديل وأبرزهم هما الخيار العسكري والثاني يتمثل في التنظيمات السياسية والحزبية، معتبرا انه اليوم ليس هناك أزمة أحزاب بل الشكل الحزبي هو الذي يخلق الفارق والى اليوم لم يتم خلق شكل حزبي آخر لممارسة العمل الحزبي”.
كما أجمع المشاركون في اللقاء الحواري ” الأزمة السياسية وضرورة التلاقي ” أن المشكل اليوم هو في البحث عن نقطة الالتقاء خاصة وأن مشكلة الأحزاب اليوم هو “الزعاماتية” والوصول الى الحكم ،مؤكدين على أن الالتقاء يجب أن يحدث على أساس المصلحة العامة.
وخلص المشاركين في هذا اللقاء بعد استعراض عوامل نجاح تجربة هيئة 18 أكتوبر 2005 وفشلها ومقارنتها بالمراحل التي شهدتها بلادنا بعد الثورة والأزمات السياسية وخاصة بعد فترة 25 جويلية 2021 الى أن السبب الرئيسي في استفحال الأزمة السياسية اليوم والعودة الى الحكم الفردي هو عدم “استبطان الديمقراطية” بل كنا ندّعي ممارسة الديمقراطية وتم استعمالها كخدعة طيلة السنوات الفارطة.