بقلم: الناشط الثقافي رياض البوسليمي
بالرجوع الى تاريخ العمل الثقافي في جهة جندوبة نلاحظ أن ما يميز التجارب الثقافية طيلة الفترات السابقة هو ارتباطها برموز وأفراد سواء من النخبة أو تنتمي للقطاع الثقافي، لا تزال حاضرة في ذاكرة أبناء الجهة، قادت حراكا ثقافيا وقد جرت العادة أن يتوقف مسار هذا الحراك بإنتقال صاحب المشروع للعيش خارج الولاية سواء لدوافع مهنيّة أو لانسحابه من المشروع لوجود صعوبات أو ضغوطات أرهقت كاهله وجعلته يستسلم وينأى بنفسه عن الأرضية الصعبة.. ويمكن أن تكون هذه الضغوطات قبل 2011 متمثلة في استبداد النظام والادارة وغياب الحريات وفي هذا الصدد بمكن الإستدلال بالتجارب المسرحية ومؤسسيها في أواخر السبعينات وفي ثمانينات القرن الماضي الذين اختاروا المغادرة إلى العاصمة. وأما بعد سنة 2011 إلى حدود الفترة الحالية، فتتمثل أهم الصعوبات ودوافع الانسحاب من الفعل الثقافي الحقيقي، في ارتباك الإدارة وهشاشة توازناتها أمام النزاعات السياسية للسيطرة على المؤسسة والتموقع فيها.. وإخضاعها لشبكة من العلاقات الوصولية الانتهازيّة، تعيدها إلى فترة ما قبل 2011 وهذه الظاهرة لا تنحصر في المؤسسات الثقافية في الجهة فقط بل يمكن القول بأنها تسحب على كل المؤسّسات الثقافية على الصعيد الوطني ..وهي نزاعات جعلت هذه المؤسسات تتحوّل إلى مسرح للصراعات والمشاحنات خلفت دمارا شاملا.. وهمشت الإطارات الإدارية القادرة على الإصلاح وأفرزت مشهدا ثقافيا غير متوازن لم يرتقي إلى مستوى رضا جمهور المتابعين. كما زادت الإدارة إمعانا في الهامشيّة وتبعثرا من خلال التعيينات على رؤوس المؤسسات المحليّة المبنية أساسا على الولاء لا الكفاءة والتجربة.. هذا علاوة على ضعف الهوية الجهوية وانعدام الالتفاف حول أسماء توافقية وذات كفاءة لتمثل بديلا ثقافيا حقيقيا ينسجم مع تطلعات الفاعلين الثقافيين والنخبة وعامة الشعب.. الأمر الذي حدى بالإدارة الجهوية لا سيّما بعد سنة 2011 إلى الاستناد إلى سلطة الإشراف في أخذ القرار ولا تحسم في أمور بديهية وتتجنب البت في كل مسألة بالرغم من وجود تشريعات تنسجم مع هذا السياق وتعطي هامشا من حريّة التدخل يمكن تفعيلها ، وهذا مفهوم في غياب إطار نقابي شرعي لا سيما بالنسبة لمؤسسات العمل الثقافي لها القدرة على التفاوض كما لها رؤية ثقافية تستند إلى معرفة دقيقة بالمنظومة الثقافية وإلمام بالنقائص والإشكاليات وخبرة في النهوض بهذه المؤسسات هيكليا ومهنيا واجتماعيا والنأي بها عن التجاذبات السياسية والتي عادة ما يثيرها أصحاب نزعات السيطرة والتدجين والأدلجة ..
لتبقى الصورة النمطيّة للثقافة في جندوبة محكومة بهذا التوجه الفردي والتي تجعل منه قطاعا غير متوازن ولا يمثّل مشروعا اجتماعيّا ويقف على أرضيّة صعبة، تضعفه غياب التوافقات وعدم تبني المجتمع المدني لمشروع ثقافي ديمقراطي مبني على أساس الاستحقاق والانتماء ويؤسس لهويّة جماعيّة تكون حاضنة للحوار الايجابي وبناء الرؤية المستقبلية التي نريدها للجهة.. ويقطع مع المشاريع الجاهزة الفارغة من حيث المحتوى والمثيرة لتصدّع الهويات والتفكك و”النعرات القبلية” …