استطاعت الممثلة والمؤلفة والمخرجة المسرحية صباح اليوسفي أن تنحت لنفسها اسما هاما في الساحة المسرحية من خلال مسيرة زاخرة بالأعمال المسرحية المحترفة كممثلة على غرار “حديث الغاب” (للأطفال) و”ودعة” قبل أن تلتحق بمركز الفنون الدرامية والركحية بالكاف أين شاركت كممثلة في ثلاث مسرحيات وهي “عرس فالصو” و”الحمل وبرج الثور” و”خيوط العشق” لتشارك بعدها في مسرحيتين اثنتين وهما “اتجاهات” (نص وتمثيل) و”المنارة” (لأطفال) قبل أن تقدم هذا الموسم على تجربة الإخراج لمسرحية “يوميات مجنون” التي اقتبستها عن رواية تحمل نفس الاسم للروائي نيكولاي قوقول، علما أنها خريجة المعهد العالي للفن المسرحي بتونس.
“التيماء” استضافتها في حوار كان مختلفا مع مبدعة مختلفة ومتفردة، وبين السؤال والجواب رحلة نقرأ تفاصيلها في هذه المساحة:
عرفناك ممثلة مسرحية، لكننا فوجئنا بك مخرجة لمسرحية “يوميات مجنون”… كيف كانت التجربة؟
ـ كانت تجربة ممتعة بكل ما حملته من تعب وإرهاق وتخوفات، وأحسست بلذة التجربة ومتعتها خلال التمارين التي دامت تسعة أشهر بمعدل عشرين ساعة في الأسبوع (خمس ساعات يوميا/ أربعة أيام أسبوعيا)، وتفاقمت تلك اللذة خلال العرض الأول للمسرحية الذي احتضنه فضاء “الحمراء” بالعاصمة، والذي حقّق نجاحا كبيرا بشهادة متابعيه، الأمر الذي جعلني أقرّر مواصلة تجربة الإخراج.
هل يعني هذا أنك ستتفرغين للإخراج وتتركين التمثيل؟
ـ أنا ممثلة بالأساس، ولا أفكر في ترك التمثيل، لكن تجربة الإخراج لذيذة ومغرية رغم التخوفات والصعوبات، لذلك ستراني مستقبلا ممثلة ومخرجة وكاتبة أيضا، علما أنني أعدّ لمسرحية جديدة للأطفال وهي من تأليفي وإخراجي كما أن هناك مسلسل تلفزي كتبته رفقة الممثل المسرحي حسني العكرمي.
بعد كل هذه السنوات… لماذا لم تقدمي على تجربة الإخراج إلا خلال هذا الموسم؟
ـ طيلة هذه السنوات لم أر في نفسي إلا ممثلة، وقد يكون تكويني ودراستي وتراكمات الفرجة جعلتني أفكر في خوض هذه التجربة لاسيما أنني أحسست بقدرتي على تقديم الأفضل فنيا مقارنة بعديد الأعمال، وقد شجعني على ذلك الممثل المسرحي حسني العكرمي الذي قام بدور المجنون في مسرحية “يوميات مجنون” وأبدع فيه إلى جانب الممثلة رانية الفتوحي التي جسدت في ذات العمل أربع شخصيات أبدعت فيها وهي: الأم والطبيبة وابنة المدير والكلبة، فهذه المسرحية إذن ارتكزت على شخصية رجالية واحدة وعلى شخصيات نسائية متخيلة وفق حبكة درامية حاولت أن تكون متطورة ومخالفة للسائد والمألوف، وباعتماد الايحاء في الديكور مع التركيز على الإضاءة التي تعتبر جد ضرورية في المسرح الحديث، فهذ المسرحية ليست مجرّد رقم في مسيرتي، بل هي رحلة بحث في المسرح ورحلة بحث في صباح اليوسفي المخرجة التي تبحث عن التفرد.
متى نشاهد العرض الثاني لمسرحية “يوميات مجنون”؟
ـ قريبا، وسيكون عرضا خاصا بالصحفيين الذين أدعوهم بالمناسبة لمشاهدة المسرحية والكتابة عنها سواء بالسلب أو الإيجاب، فأن أحب النقد وأحترم حرية التعبير، وهي دعوة موجهة أيضا لممثلي بقية وسائل الإعلام بشتى أصنافها.
من خلال سيرتك الذاتية لاحظنا أن كل الأعمال التي شاركت فيها سواء كممثلة أو كمؤلفة أو كمخرجة أنتجتها هياكل محترفة، فهل أنت ضد الهواية التي تعتبر أم البدايات؟
ـ بالعكس، فأنا أحترم الهواية وسبق لي أن شاهدت عديد المسرحيات الهاوية التي تزخر بالإبداع، ولكن عندما نشأت في مسقط رأسي سيدي بورويس من ولاية سليانة لم تكن لدينا جمعيات، وقد تكون الصدفة لعبت دورها فحرمتني من تجربة أنا متأكدة أنها ممتعة لتضعني مباشرة في تجارب لها متعة من نوع آخر.
بعد تجربة سنوات في الاحتراف… هل يمكن أن نشاهدك في عمل هاو؟
ـ لمَ لا خصوصا إذا كان العمل جيدا؟ فأنا لا أفكر في مسألة الهواية أو الاحتراف بقدر ما أفكر في ضرورة توفر الجودة، وميزة الهواية أن المسرحي سواء كان ممثلا أو مؤلفا أو مخرجا لا يفكر في المادة بقدر تفكيره في الجودة وفي الإبداع، وإني أشد على أيادي كل العاملين في الجمعيات المسرحية لما يقدمونه من أعمال وتضحيات.
كيف تقيمين الساحة المسرحية بتونس؟
ـ هي ساحة ثرية ومختلفة وفي مرحلة مخاض كبير يؤسس لنقلة نوعية على مستوى الأعمال ويفرز أسماء جديدة تحتاج إلى وقت كبير لإثبات الجدارة والاستمرارية، ومسؤولية وزارة الشؤون الثقافية كبيرة، إذ يتعيّن التخلي عن الأسلوب القديم الذي تتعامل به مع الإنتاجات المسرحية، فالنجاعة تراجعت في ظل عدم مواكبة التطور النوعي والكمّي للأعمال المسرحية، وإني إذ أثمن قرار إنشاء مراكز للفنون الدرامية والركحية بكافة الولايات، فإنني أرى أن هذه المشاريع ولدت مبتورة لعدم توفر مقرات لائقة لها ومستجيبة لشروط بعثها، ولا بد لهذه المراكز من مسؤولين لهم رؤية نابعة من الواقع وليست نابعة من عقلية المكاتب المغلقة الضيقة.
ختاما.. ماذا تقولين؟ ـ
أرجو أن تنال العروض القادمة لمسرحية “يوميات مجنون” حظها وأن تعجب المتفرجين وتلاقي نفس نجاح العرض الأول.. وأختم بمقولة أدونيس: “يصدأ اللسان من كثرة الكلام وتصدأ العين من قلة الحلم”.
حاورها: عادل الهمامي