الدُكتور والمُؤرّخ والباحث في التاريخ الاقتِصادِيّ والاجتِماعِيّ
الحبيب بن عبد الله سريوي
في إطار مُواصلة البَحث في مُستويات الطراز القبليّ لِنَمط الإنتاج الإقطاعيّ الّذي نراه قد وسم المجتمع العربيّ الإسلاميّ في أولى حقبه الوسيطة، وفي إطار الوقوف على مدى توافُق المُستوييْن السياسيّ والأيديولوجيّ مع المستوى الاقتصاديّ- الاجتماعيّ في هذا الطوْر القَبَلِيّ لنمط الإنتاج الإقطاع نُقَدّم هذا الكتاب الّذي نحرص مِن خلاله على البحث في أصول الدولة العربيّة الإسلاميّة الّتي وضع مشروعَ نُويّات مؤسّساتها مُحمّد بن عبد الله في يثرب وتطوّرت بنياتها وتوضّحت معالمها مع الرَاشدين والأُمَويّين. فكيف كانت طبيعة السلطة الّتي أضحت حتّى نهاية العصر الأُمويّ تتنازعها عصبيّة قبليّة متأصّلة في بنية المجتمع ونزعة دينيّة مُستجدّة؟ وكيف كانت تُحاول التكيّف مع مرحلة التطوّر السياسيّ والاجتماعيّ في ظلّ هذا الطور القبليّ للنظام الإقطاعيّ؟ وما هو دور النُخب السياسيّة والفكريّة الدينيّة في تأويل النصّ قُرآنا وحَدِيثا ليتوافق مع الواقع التاريخيّ للمجتمع والدَوْلة وفي تشكيل آليّات الهيمنة السياسيّة والأيديولوجيّة، ومن ثَمَّ ترسيخ آليّات الحكم القائم على الطابع القبليّ المُؤيِّد دينيّاً وترسيخ آليّات التحكّم والهيمنة في العلاقات الاجتماعيّة وعلاقات الإنتاج داخل المجتمع العربيّ الإسلاميّ بآسيا الغربيّة في العَصْر الوَسِيط؟…
ترافقت عمليّة تولّد نمط الإنتاج الإقطاعيّ الّذي وسم المجتمع العربيّ الإسلاميّ في العصر الوسيط وفي أوّل طُرزه الثلاثة الطراز القبليّ، مع ظهور الإسلام وبداية توضّح معالم المستوييْن السياسيّ والأيديولوجيّ المتوافقيْن مع ملامح المستوى الاقتصاديّ والاجتماعيّ لنمط الإنتاج هذا، وسيعكسان بنية الدولة الّتي بدأت نُويّاتها تتشكّل في يثرب.
ويمكن العودة بأصول الدولة العربيّة الإسلاميّة وظروف نشأتها في بدايات القرن السابع للميلاد إلى أواسط القرن الخامس على الأقلّ عندما بدأت مكّة بخاصّة والحجاز بعامّة تشهد تحوّلات كبرى ارتبطت لحدّ مّا مع بداية ظهور قُريش كمُتّحد قبليّ على يد قُصيّ بن كِلاب. وقد أفرزت قُريش ملأً كان فاعلاً على المستويات الاجتماعيّة والسياسيّة والتجاريّة والدينيّة تمكّنت ثُلّة من شيوخه الحكماء بدءاً من عبد مَناف بن قُصيّ، ومروراً بـ هاشم بن عبد مَناف، ووصولاً إلى عبد المُطّلب بن هاشم استكمال المشروع الذي استهلّه قُصيّ حتّى غدت مكّة مع مرور الوقت مركزاً لتراكم الثروة النقديّة زيادة على تصييرها المِحجّ الأوّل في بلاد العرب.
وقد أفضت هذه التحوّلات إلى بلوغ البنية الاقتصاديّة والاجتماعيّة مرحلة متقدّمة من النُضج الأمر الّذي أدخل المجتمع الحجازيّ في تناقضات متعدّدة وانقسام مركّب وحادّ؛ فإلى جانب تزايد حدّة التنافر بين مكوّناته القبليّة، الحضريّة والبدويّة، أضحت في الوقت ذاته الفروقات الاقتصاديّة والاجتماعيّة منذ زمن بعيد بين أملاء القبائل وعوامّها ومواليها على أشدّها، كما توسّعت ظاهرة الحركة الدينيّة التوحيديّة الّتي كانت تبشّر بقرب ظهور النبيّ المُنقذ والدين الهادي إلى الصراط المستقيم. ولمّا كان المجتمع القبليّ في مكّة وفي الحجاز، وعلى غرار المجتمعات القبليّة في وسط شبه الجزيرة بعامّة، لا يمتلك أيّ وسيلة للقسر غير الرأي العامّ، فقد بات عاجزاً على تضييق الهوّة الاقتصاديّة والاجتماعيّة بين أبناء القبيلة الواحدة كما بات عاجزاً عنْ رأب الصدع بين الحضر والبدو والتأليف بين نمطيْ العيش المتباينيْن، كما يبدو.
ولمّا كانت الدولة برأينا قُوّة تنظيم للمجتمع تقوم على توليف من المؤسّسات والأفراد وتمتلك الحقّ الحصريّ في السلطة العامّة ضمن مجتمع إقليميّ معيّن، لا يمكن أنْ تُفرَض من خارج هذا المجتمع بقدر ما تكون نتاج المجتمع وعند درجة مُعيّنة من تطوّره، وتكون في النهاية إفصاحاً عن واقع أنَّ هذا المجتمع قد وقع في تناقض مع ذاته لا يمكنه حلّه إلاَّ عن طريق هذه القُوّة الّتي تكون في الظاهر فوق المجتمع، بحيث تتولّى هذه القوّة التوفيق بين مُكوّنات المجتمع وتلطيف كلّ أشكال الصراع بينها وإبقاءه ضمن حدود النظام؛ فإنّ هذه القوّة المنبثقة عن المجتمع والّتي تضع نفسها، مع ذلك، فوقه وتنفصل عنه شيئاً فشيئاً هي الدولة.[1]إلاّ أنَّالدولة لا تظهر على المستوى المؤسّساتيّ دفعة واحدة وإنّما بالتدرّج وبالتوافق مع مستوى التطوّر الاقتصاديّ والاجتماعيّ للمجتمعات، وبالتوافق مع مستوى التطوّر العلميّ والثقافيّ والروحيّ، ومن ثَمَّ الأيديولوجيّ للشعوب.
المُحتوَى
تَـصدير
مُـقـدّمة
الفَـصل الأوّل: بنية المجتمع العَربيّ في مَـكّة حتّى ظهور الإسلام.
1–مَـكّة وسلطة المجلس القبليّ.
2-مَـكّة والاقتصاد التجاريّ-العُرفيّ.
3- مَـكّة والإرهاصات التمهيديّة لظهور الدين الإسلاميّ.
الفَـصل الثَاني: الحركة الإسلاميّة، من الدعوة إلى تأسيس نواة الدولة.
مُقدّمة.
1- مَـكّة وطور الدعوة للدين الإسلاميّ
2-المَدينة، ومُقدّمات/ مُقوّمات التَأْسيس لمشروع الدَولة.
الفَـصل الثَالث: الإسلام، القبيلة، وأُسس قيام دولة المدينة.
1- البنيات الاقتصاديّة والاجتماعيّة.
2- البنيات السياسيّة والتنظيميّة الفكريّة.
3- بنية السلطة في العهد المُحمّديّ.
الفَـصل الرَابع: تطوّر بنية السلطة في العهديْن الراشديّ والأمَويّ.
1- بنية السلطة في العهد الرَاشديّ.
2- بنية السلطة في العهد الأُمَويّ.
الفَـصل الخَامس: بنية للمنظومة الأيديولوجيّة ومُقوّماتها الفكريّة في العهد الأُمَويّ.
1- الملامح العامّة الأيديولوجيّة في العصر الأُمَويّ.
2- إسهام الفُقهاء الفكريّ ودورهم السياسيّ في نحت المُقوّمات الأيديولوجيّة في العصر الأُمَويّ،[الحَسن البَصريّ أنموذجاً]
خَـاتـمَـة
فَـهرس المَصادر والمَراجع.
فَـهرس المَوضوعات.