اختتمت مساء السبت 10 فيفري 2024 فعاليات الدورة الخامسة لأيام قرطاج لفنون العرائس بمدينة الثقافة الشاذلي القليبي، وسط حضور جماهيري كبير تابع مختلف أيام المهرجان، وتمنى لو تواصلت أكثر لما شاهدوه من عروض تونسية ودولية على قدر عال من الاحترافية. لذلك تابع جمهور الأطفال صباح اليوم الختامي مختلف العروض التنشيطية على غرار عرض فنان الطفولة سامي دربز والعروض العرائسية الملتئمة جميعها في بهو مدينة الثقافة بالعاصمة،وكان خلالها جمهور الأطفال يرفعون العلم الموحد التونسي الفلسطيني والذي كان هدية رمزية واعتبارية من جمعية أطفال تونس لجمهور المهرجان من الأطفال، بينما غصت قاعة المبدعين الشبان إثر الاختتام الرسمي بمسرح الجهات، بجمهور الكهول الذي تابع آخر عروض الدورة والمتمثل في عرض “جلجامش”. مسرحية “جلجامش” مسرحية تستهدف جمهور الكهول، وهي من إنتاج القطاع الخاص وأخرجها علي الناصر ومدتها 55 دقيقة. ويعود هذا العمل العرائسي إلى ملحمة جلجامش السومرية البابلية القديمة وهي أول ملحمة كتبت ورويت بكامل تفاصيلها. وتروي قصة مدينة أوروك وحاكمها الذي عرف بتسلطه وظلمه، وهو جلجامش. فقررت الآلهة معاقبته بأن بعثت له صديقه أنكيدو ليكيد له ويتحداه في المبارزة والصراع، لكن جلجامش قبل التحدي وانتصر وتحول العداء إلى صداقة وطيدة.
أما حفل الاختتام الرسمي لدورة الفقيد الأسعد المحواشي، ونقصد هذه الدورة الخامسة من أيام قرطاج لفنون العرائس، فقد انطلق في حدود الساعة السادسة مساء بمسرح الجهات بمدينة الثقافة ونقلته على المباشر القناة الوطنية الأولى في إخراج لنجيب مناصرية، ونشطت هذا الحفل الفنانة شاكرة الرماح التي لم تتمالك نفسها على المباشر وخنقتها دموع الفرح بنجاح المهرجان بعد عمل مضن لكامل فيق العمل. والأكيد أن من حضر حفل الاختتام أو من تابعه على الوطنية الأولى لن ينسى سحر تلك الألوان على الركح والتي تجسدت في مجسمات حمائم بيض معلقة في السقف وعروسة يوسف والفطريات العملاقة التي أعطت سحرا خاصا لركح مسرح الجهات بينما كان الغيث النافع يهطل خارجا في مصادفة رمزية لنجاح الدورة الخامسة التي تضمن حفل اختتامها أيضا نوعا من التشويق حين الاعلان عن جوائز المسابقة الوطنية لتحريك عرائس الخيط من قبل لجنة التحكيم المتكونة من الأستاذة هدى اللموشي (رئيسة لجنة التحكيم)، والعرائسي عياد بن معاقل، والعرائسي محمد نوير و والعرائسي أيمن النخيلي، ونوهت رئيسة اللجنة بالقيمة الفنية للعرائسيين المشاركين صنعا وتحريكا قبل أن تعلن عن الجوائز حيث آلت الجائزة الثالثة إلى العرائسي محمد العابد، وحاز الجائزة الثانية مناصفة العرائسيان هيثم وناسي و أميمة المجادي، كما كانت الجائزة الأولى كذلك مناصفة بين العرائسيين نهاد التواتي و صابر ساسي الذين قدما معا عرضا قياسيا بعروستيهما خلال حفل الاختتام.
ولأن كلمة الاختتام التي جاءت على لسان مديرة الدورة الخامسة من أيام قرطاج لفنون العرائس السيدة منية عبيد المسعدي، كان لها وقعها على الجمهور الحاضر بمسرح الجهات كما كان الأمر مع كلمة الافتتاح فإننا سنوردها كاملة لأنها جاءت مفعمة بالحياة والاحتفال بالنجاح والاعتزاز بالانتماء لتونس الحضارة والتاريخ وفيما يلي نص كلمة السيدة منية عبيد المسعدي: “ونحن على أبواب الدورة السادسة من أيام قرطاج لفنون العرائس، يحقّ لكم الاحتفال بنجاح الدورة الخامسة من هذا المهرجان الذي قدّر له أن يولد كبيرا في بلد الحضارة والتاريخ…
اليوم يتواصل الحلم، فبعد هذه الملحمة العرائسية الفسيفسائية الساحرة التي ألهمت المسرحيين وحرّكت قرائح النقاد وأبهرت الجمهور الكبير لأيام قرطاج لفنون العرائس، واصطحبتنا في رحلة عرائسية عبر الزمن.. من زمن الأساطير والحكايا المعتّقة بعبق التاريخ إلى قضايا الإنسان اليوم في “الآن وهنا”.. يحق للجميع الاحتفال بهذا المحفل العرائسي القرطاجني.
في هذه الدورة التي أطفأت شمعتها الخامسة، تابعتم عروضا مميزة تنوعت فيها المتون واختلفت، حسب اختلاف الثقافات والتقاليد، واختلفت فيها العرائس شكلا وحجما لتشكل فسيفساء عرائسية مدهشة وساحرة وأحيانا غريبة، تفنّن في تحريكها عرائسيون من تونس ومن 17 دولة شرفتنا بحضورها فحركوا الذاكرة، وحلّق معهم الخيال ليستحضر المشاهد أجمل لحظات الطفولة. 08 أيام هي حصيلة فعاليات الدورة الخامسة لأيام قرطاج لفنون العرائس، كانت خلالها مدينة الثقافة الشاذلي القليبي، كخلية نحل، عروض خارجية وعروض بمسرح الجهات وقاعة المبدعين الشبان وساحة المسارح، كان الجميع في المركز الوطني لفن العرائس، كالماء يجري لا يهدأ له قرار.. إنها الحياة، أليس شعار المهرجان “ماريونات فن وحياة”؟ 08 أيام مرت كأنها لحظات.. في كلّ لحظة ألوان جديدة وحياة جديدة.. في كلّ لحظة ابتسامة طفل وحياة طفل نهديها لأطفال غزة الشهداء منهم أو من يقاومون الساعة عسى أن يكون غدهم أفضل…
08 أيام نهديها إلى من سميت الدورة باسمه. الفقيد الأسعد المحواشي أرقد بسلام في العالم الآخر، مازال حصاد ما زرعت وغرست من حب وفن متواصلا.. إليك نهدي نجاح هذه الدورة.. وسيتواصل الحلم… وستكون “العروسة” سفيرة بيداغوجية اليوم أصبح مهرجان أيام قرطاج لفنون العرائس قبلة للأطفال والكهول والشيوخ، كلّ يجد متعته البصرية والفنية يرتحل عبر الزمن بمخيلته ويفكر في الحاضر بوعي..
اليوم بصدق من حقنا جميعا أن نحتفل بهذا المهرجان المختص والأول من نوعه عربيا وإفريقيا.. رحلتنا مع “الماريونات ستتواصل.. رحلتنا مع الحياة مستمرّة بالفن… بالأمس البعيد كان التانيت القرطاجني ولازالت ذاكرتنا الشعبية تحتفظ ب”أمك طنقو” و”القايمة”.. العرائس يا سادتي فن حياة. ضيوفنا الكرام نجدّد ترحابنا بكم جميعا ونشكر ضيف شرف الدورة دولة إيطاليا على العروض المميزة التي قدمتها كما نشكر كل الفرق العرائسية والعرائسيين من كل البلدان المشاركة، وننوه بالمملكة العربية السعودية على هذا المجهود المبذول وعلى هذه القفزة الثقافية والفنية المحترمة في أول مشاركة لها.