بقلم: الصحفية زينب الهداجي
للكاتب والمترجم فواز طرابلسي موقف خاص من ترجمة كتاب الاستشراق لادوارد سعيد الصادر منذ 40 سنة. وهو الرافض دائما لاختزال مشروعه الفكري هذا الكتاب. فلم يتوقف عند انتقاد هذا الموقف بل قام بترجمة عدة كتب لادوارد سعيد غير كتاب الاستشراق.لكن الاستاذ الطرابلسي له عديد الكتابات الأخرى ومنها كتاب « قضية لبنان الوطنية والديموقراطية « وكتاب « الماركسية وبعض قضايانا العربية» وكتاب « صورة الفتى بالأحمر — يوميات في السلم والحرب» وعديد المنشورات التى بنى عليها مشروعه الفكري والنقدي.
في ما يلي حوار معه حول الترجمة ومشروع ادوارد سعيد الفكري.
متى وكيف قررت ترجمة أعمال إدوار سعيد إلى العربيّة؟
إدوارد سعيد قبل كل شيء صديق قرأت له وناقشته في أعماله. والمناسبة التي شجعتني لترجمته كانت قراءتي للترجمة العربيّة لكتاب الاستشراق لكمال أبو ديب وهي ترجمة إشكالية تعمد المترجم من خلالها أن ينحت مصطلحات خاصة به زادت النص تعقيدا وهو ما أساء إلى فهم وانتشار النصّ وقد تذمر كثيرون من صعوبة الكتاب. وفي زيارة لادوارد سعيد إلى بيروت اقترح علي ترجمة كتابه القادم «خارج المكان» فقلت له أسلوبك بالانكليزية عويص، وأنا لن أفعل نقيض الترجمة سأعرّبك بما في ذلك من تعديلات أسلوبيّة فوافق على ذلك. وقد ترجمت له ثلاث كتب «عن الأسلوب المتأخر؛ موسيقى وأدب عكس التيار» و «خارج المكان» و»بدايات». وقد أعجب كثيرا بترجمتي.
هل كان إدوارد سعيد حريصا على ترجمة أعماله إلى العربيّة؟
كان مهتما ومتحمسا جدا لترجمة أعماله إلى العربيّة. كان حريصا على أن يٌقرأ ويٌعرف باللغة العربيّة.
كيف كانت تجربة الترجمة؟
استغرقت عملية ترجمة كتاب «خارج المكان» ثمانية أشهر وهو وقت طويل بالنسبة لي. وبما أن إدوارد عربي قرّر أن يكتب الانجليزية فأراد أن يتفوق على الانجليز في لغتهم خاصة انه أستاذ أدب وأديب. تركيب الجملة عند ادوارد مليء بالجمل الاستطراديّة. ولكنني لم أجد صعوبة كبيرة في ترجمة هذا الكتاب خاصة أنه سيرة ذاتيّة. وتطلب مني ذلك عمل على كبير على الأسلوب. كنا طول مدة العمل على تواصل بالايميل الذي كان كل منا يكتشفه. أخبرتني الروائيّة حنان الشيخ أنه يطلب منها عندما كانت تزوره أن تقرأ له مقاطع من الكتاب بالعربيّة ليستمتع. بعد وفاته، أرملته طلبت مني أن أترجم الكتابين الذين صدرا بعد وفاته. أحدهما كتاب في نقد النّزعة الإنسانية الأمريكية من منظار أنها غير ديمقراطيّة.
هل هناك صعوبة في انتشار إدوارد سعيد ؟
لا على عكس ما يشاع. على حد علمي هذا الكتاب بِيع بشكل كبير وصدر في أكثر من طبعة. وتجدر الإشارة إلى أن انتشار إدوارد سعيد له علاقة بانتشار الكتاب العربي. وفي رأيي إدوارد سعيد أختزل فقط في كتاباته السياسيّة. بعد وفاته، دعيت أكثر من مرة في لقاءات للحديث عنه فكانت أغلب هذه الجلسات تركز على علاقته بالقضية الفلسطينية أو الاستشراق. وحتى في علاقة بالقضية الفلسطينية ينسى أنه كان ناقدا لاتفاق أوسلو وقد استقال على إثر ذلك من منظمة التحرير الفلسطينية ونعت الاتفاقية بـ «سلام الضعفاء». وهذا ما يفنّد الرأي القائل بأن إدوارد سعيد لا ينقد إلا الغرب. وهو ناقد للأنظمة العربية. دُعي من أكثر من نظام عربي دكتاتوري ورفض الدعوة.
إدوارد سعيد كان يناضل وحده. كان ناقد للاستشراق وللاستغراب في آن.
لمن كان يكتب إدوارد سعيد؟هل كان مشروعه الفكري موجّهًا للشّرق أم للغرب؟
عندما يكتب بالانجليزية فهو يتوجه إلى جمهور يقرأ الانجليزية وليس العربيّة. ولكن من جهة أخرى كتاب الاستشراق إنذار للعرب لأن لا يستشرقوا أن لا يتبنوا نظرة الإستشراق لهم. هذا الكتاب كتب تحت وطأة أحداث 1967. ولا يقرأ إدوار سعيد إلا من هذا المنحى في حياته: حياة منفي. وبالتالي ليس هناك تعارض بين أنه يكتب بالانجليزية وبين أن مادة الكتابة هي قضايا بلده. ونادرا ما كتب بقضايا تخص المجتمع الأمريكي. هو أمريكي من أصل عربي يُساجل الإمبريالية في عقر دارها. ولكن فكر إدوار سعيد تطور من فكرة شرق غرب إلى شمال جنوب وحركات التحرّر ونقد لتصورها للغرب. في هذه المحطة شهد فكر إدوار نقلة في تأثره بكتاب على غرار غرامشي وريمون ويليام وتخلى فعليا عن ميشال فوكو والأهم انه توجه نحو فرنس فالون وهو نقيض فوكو.
كيف تقيمون تلقي العرب والمسلمين لكتاب الاستشراق؟
تزامن صدور هذا الكتاب مع الثورة الإيرانيّة وتفشي فكرة العداء مع الغرب ككتلة. وقع التعامل معه كأنه مساهم في تحويل الغرب إلى كتلة واحدة مثل ما حول الإستشراق حول الشرق إلى كتلة واحدة. في آخر حياته، تنبه إدوار إلى ذلك وانتقد نفسه. غذّى من حيث لا يدري صعود تيارات قومية ولاهوتيّة وحتى يساريّة وهي تشترك في نظرتها إلى الغرب ككتلة لا تحتوي تباينا. ولكنهم لم يواكبوا التّطور الحاصل على مشروعه.
أي منحى سلك مشروع إدوارد سعيد الفكري بعد كتاب الإستشراق؟
انتهى المشروع الفكري لإدوارد سعيد إلى النزعة الإنسانيّة التي أساسها القول أن العالم يفهم من داخله وان العالم يفهم بالتاريخ وان التاريخ لابد أن يدرس كل شيء. وكتابه «الإنسانية» هو إعلان انتسابه إلى هذه المدرسة. وتخطى ثنائية شرق غرب وشمال جنوب. وفي كتاب «عن الأسلوب المتأخر؛ موسيقى وأدب عكس التيار» أخذ مجموعة كتاب وفنانين في آخر حياتهم ممن لم يتغيّر ويرضخ للأمر الواقع ويعيد النظر في الحاجة للتغيير وكتب عنهم منهم «جان جوني» ولقائه به وكتب أيضا عن بيتهوفن. هذا الكتاب أخذ مني وقتا كبيرا أيضا خاصة في تعريب المصطلحات الموسيقيّة. هذا الكتاب هو بمثابة وصية إدوارد سعيد الذي بقي في آخر حياته ناقدا وثائرا و غير متكيف مع الأمر الواقع، مع المنفى. والترجمة الفعليّة لكتابه «Out of the Place» هي «خارج السرب» أي أنه يقول: «أنا الذي لا ينتمي». يريد القول أيضا أن مجموعة التيارات المتناقضة أنتجت هذا الكائن الذي هو أنا.
بعد ترجمة إدوارد سعيد، أي أثر له عليك؟
أنا في الأصل ماركسي. وما لا يعرف عن إدوارد سعيد أن أكثر الكتاب الذين تأثر بهم هم ماركسيين وقد قال ذات مرة « لعلني ماركسي متخفي» . ولا أعتقد أن نقد إدوارد لماركس في بعض المسائل يبرر الهجوم عليه من ‘’الماركسيين». وبالتالي لا شك أنني تأثرت به كما هو حال جيل بأكمله. شجعني أيضا أن أنظر بعين ناقدة لمعاهدة «أسلو» . تأثرت أكثر بممارسته للنقد الأدبي. فهو يفتح أمام أناس ليس الأدب من اختصاصهم آفاقا استثنائية في قراءة الآداب. فقد أسس مدرسة بالنقد الأدب تمكّنك من قراءة حياة المجتمع ونزاعاته من خلال الشعر والرواية… وهي مدرسة استمرت إلى الآن…